لحظة حرية!
عصام الداري :
اسمحوا لي أن أحطم قيدي اليوم، فقد تعبت من القيود التي لا تكبل أيدينا، وإنما قلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، وأحياناً عقولنا.
منعنا من الكلام في أمور كثيرة لا مجال لذكرها كي لا أتهم بأنني تجاوزت الخطوط الحمراء والملونة ويقيمون علي الحد الوطني والقومي!
وهناك من يلومني لأنني أكتب في فن العشق والغزل، وقد تجاوزت مرحلة الشباب، وكأن الحب يرتبط بعمر معين، وبعد ذلك يصبح من المحرمات، وأمراً مخجلاً، ورجساً من عمل الشياطين والأبالسة «فاجتنبه يا عصام و.. إلا»!!.
دعوني اليوم أكسر أحد قيودي، وما أكثرها من قيود، وأنشر شبه حوار قد يكون جرى يوماً ما، أو إنه افتراضي، بيني وبين صبية سحرتني وأسكرتني.
قالت لي يوماً جملة جعلتني أطير فرحاً: «أنا سعيدة بأصابعك التي تكتب عن الحب والياسمين… والحنين لأنها نفسها التي تكتب عني وبكل تواضع».
عندما تتحدث هذه الأنثى عن كتابتي لها وعنها، وتنسى أنها الجنية التي تلهمني كتابة قصائد شعر وزجل وغزل، يكون رصيدي في بنك قلبها كبيراً ويغطي حسابي سنوات قادمة.
خجلت من كلمات قليلة أسعدتني، فأردت أن أعيد الكرة إلى ملعبها، فتجمدت الحروف، وهربت الكلمات، وقهرتني الجمل، فقلت لها: اليوم أعلنت غضبي على الأبجدية.. وأشهرت سيفي في وجه الكلمات والحروف.. اكتشفت الخيانة هذا الصباح.. فقد سبقتني الأبجدية إليك.. وراحت الحروف تقبل قدميك.. والكلمات تتوسل إليك أن تتنازلي وتقبلي ولاءها وخضوعها لإرادة عينيك.
ماذا بقي لي من سلاح أخوض به الحروب للفوز بابتسامة من شفتيك.. أو نظرة عشق لولهان رماه الهوى في أعاصير الجمال والحسن الساحق، وللحسن أسلحة تفوق قدرة الخيال على التخيل، على الرغم من خيانة الأبجدية والحروف والكلمات، فقد سرقت ما كتبته الآن.
و.. اسمحوا لي اليوم أيضاً أن أكسر قيود الرقابة المجتمعية المتخلفة التي يصبح فيها «صوت المرأة عورة» كما قال أستاذي نزار قباني، اسمحوا لي أن أنسج لها من شعاع الشمس شالاً، ومن ضوء القمر برقعاً شفافاً يظهر سحر العيون، ونقاء بشرة بملمس الحرير، كي تسير على مرج تحتله الأزاهير وورد الشام، وتحلق فيه العصافير والحمائم، هي جنة صغيرة مفترضة تليق بها وحدها، لأنها ملكتها المتوجة بلا منازع.
كنت أريد أن ألقي ورودي على بوابتها وأعزف تحت نافذتها لحناً من موسيقا السماء، وأغنية لم يسمعها بشر من قبل، لكنني تراجعت، خشيت ألا تعجبها أزاهيري لأنها سيدة الورد والأزاهير والرياحين، وخفت ألا يعجبها عزفي وشدوي الحزين، فهي أميرة الفرح وملهمة الألحان، لذا أعتذر وأكتفي بشال من حزم الشمس الصباحية كي تعطيها الدفء.. ووشاحا من ضوء القمر لا يضيف جديداً لوجهها الذي غارت منه كل الصبايا والجنيات.
اليوم كسرت قيوداً أدمت معصمي كما قال الشاعر الطبيب إبراهيم ناجي، وغداً قد أضع قيودي بملء إرادتي، لأننا نحتاج إلى لحظة حرية نتنفس فيها هواء نقياً، ولا يهم بعد ذلك أكانت القيود في معاصمنا، أم في عواطفنا الهرمة، فلحظة حرية واحدة تعادل حياة كاملة.