قضايا وآراء

كاكا بايدن.. «الأمل» المتجدد!

| أحمد ضيف الله

الرئيس الأميركي الحالي جوزيف بايدن هو عرَّاب مشروع تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات، كردية وسنيّة وشيعية، وفقاً للمشروع الذي كان قد طرحه على الكونغرس الأميركي في الـ26 من أيلول 2007، ونال الموافقة عليه بـ75 صوتاً مقابل 23 صوتاً! فهو يرى أن المشاكل التي تعصف بالعراق لا يمكن حلها وتجاوزها، من دون عزل طائفي!
الأخ بايدن، أو كما يقال بالكردية كاكا بايدن، زار العراق 24 مرة كعضو في مجلس الشيوخ الأميركي أو كنائب للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فهو يُعد السياسي الأميركي الأكثر زيارة للعراق، هذا عدا ارتباطه بعلاقات شخصية مميزة مع قيادات عراقية مهمة، لا ينقطع عن الاتصال بها أسبوعياً.
في الـ5 من نيسان 1991، فرضت فرنسا وبريطانيا وأميركا إنشاء منطقة حظر جوي على الطيران العراقي عند خط العرض 36 شمالي العراق بالقوة خلال حرب الخليج الثانية «عاصفة الصحراء»، التي أسفرت لاحقاً عن تأسيس برلمان وحكومة كردية خارج سيطرة الحكومة المركزية في بغداد إبان حكم صدام حسين، كأمر واقع.
وقبل الاحتلال الأميركي للعراق ببضعة أشهر، زار جوزيف بايدن شمال العراق في كانون الأول 2002 بصفته رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي، وقال في كلمة دعم بالبرلمان الكردي المشكل حديثاً: «الجبال ليست أصدقاءكم الوحيدين»، في إشارة إلى الدعم والرعاية الأميركية لهم.
في الـ5 من نيسان الجاري، وفي الذكرى الثلاثين لإنشاء منطقة الحظر الجوي تلك، قال القنصل الأميركي في أربيل روب وولر في كلمة له: إن «منطقة الملاذ الأمن ستبقى نقطة مضيئة في المنطقة وعبر التاريخ»، مضيفاً إننا «نثبت للكرد أن الجبال ليست فقط الصديق لهم، بل لهم أصدقاء آخرون»، مكرراً كلمات بايدن السابقة نفسها.
القنصل الفرنسي السابق في أربيل فريديريك تيسو، قال هو الآخر بهذه المناسبة في الـ6 من نيسان الحالي: إن «الشعب الكردي بحاجة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات وتبني إستراتيجية جديدة نحو الاستقلال»!
لذا كان من الطبيعي أن تعم حالة من الابتهاج والتفاؤل في إقليم كردستان لدى وصول بايدن إلى سدة البيت الأبيض، بسبب مواقفه الداعمة للأكراد في العراق والمنطقة عموماً من دون حدود، ولأملهم بأن تكون حقبة بايدن فرصة ذهبية لدعم وتعزيز توجهاتهم الانفصالية، من خلال منع الحكومة المركزية في بغداد والدول الإقليمية من ممارسة أي ضغوط عليهم لإيقاف نزعاتهم الانفصالية.
الحزبان الأميركيان الديمقراطي والجمهوري كلاهما يعتبر أن الأكراد حليف إستراتيجي مهم لهم في المنطقة، إلا أن بايدن يُعد من أكثر السياسيين الأميركيين دعماً للأكراد، لقناعته بأنه يمكن الاعتماد عليهم لتحقيق التوجهات الأميركية في المنطقة.
وبالرغم مما يُلاحظ من تراجع أهمية منطقتنا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ومن أن العراق لم يعد من أولويات السياسة الخارجية الأميركية، إلا أن أميركا لا تزال تعتبر الأكراد شريكاً استراتيجياً مهماً لها، وتعتقد أن سياسة الاستثمار في أمن العراق ووحدته حنكة مبتكرة، من خلال مد عمر الإرهاب وتغذية الميول الانفصالية في العراق وسورية، ووضع العراق خاصة ما بين خيارين لا ثالث لهما، إما داعش وإما تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية كردية وسنيّة وشيعية، وهو ما يضمن استمرار مصالحها الأمنية والجيوسياسية في المنطقة.
المتحدث باسم التحالف الدولي الكولونيل واين ماروتون، قال في تصريح له في الـ31 من آذار الماضي: إنه «منذ عام 2015، قدمت الولايات المتحدة 850 مليون دولار دعماً مالياً لقوات البيشمركة لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه»، مضيفاً «سنواصل تسليح البيشمركة وقوات سورية الديمقراطية ومساعدتهما لاجتثاث داعش»!
إن التحالف الدولي لمحاربة داعش، يرى أن القوى السياسية الكردية من خلال منظوماتها العسكرية في كل من العراق وسورية مهمة، يجب دعمها عسكرياً ومالياً وسياسياً لتنفيذ سياساتها بالمنطقة. وعلى هذا الأساس يتعامل إقليم كردستان مع الحكومة العراقية المركزية، كأنه دولة مستقلة، متجاهلاً ما يحدده الدستور من صلاحيات للدولة الاتحادية في النفط والمنافذ الحدودية وكل العائدات المالية في الإقليم، ومن ذات النافذة ترى «قسد» نفسها كذلك! وكلاهما يعيش وهماً بأنه لم يعد هناك خلاف على وجود كيانيهما، وبأن المسألة قد تجاوزت موضوع الوجود، لتنحصر المشكلة في الحدود فقط! وبأن كاكا بايدن سيكون ضاغطاً وعوناً لهم في تنفيذ توجهاتهم الانفصالية.
العراق بلد حر، وشعبه حر لا يمكن أن يرضى بالمس بسيادته ووحدة أراضيه الكاملة، لأنها تمثل كرامته وتاريخه ووجدانه، والأوراق التي تلعب بها الإدارة الأميركية في العراق، لا قيمة لها، ما دامت عمليات المقاومة العراقية حاضرة ومستمرة، وليكن مفهوماً أن أميركا ليست وحدها على الساحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن