قضايا وآراء

«نصرة» يوم عزّ النصير

| عبدالمنعم علي عيسى

لا شك في أن السياسة الإماراتية كانت قد شهدت تمايزاً عن نظيرتها لدى دول الخليج الأربع، مع استثناء سلطنة عمان الدولة السادسة ضمن منظمة دول مجلس التعاون الخليجي، قبل وقت ليس بقصير، ومن الصعب الآن تحديد اللحظة التي حدث فيها ذلك التمايز الذي يفترض بالضرورة تغيراً في النظرة التي تتبناها أبو ظبي تجاه الأزمة السورية، الأمر الذي يعني بالضرورة تغيراً أكيداً في طريقة التعاطي معها، لكنه خرج للمرة الأولى إلى العلن عبر إعلان الأخيرة عن فتح سفارتها من جديد في دمشق كانون الأول من العام 2018 بعد انقطاع دام سبع سنوات، ليشكل هذا الحدث مقدمة لمحطات عدة أيضاً في مسار كان من الواضح أن خطه البياني سوف يتخذ شكلاً تصاعدياً، حيث سيشهد هذا الأخير محطته الثانية الأبرز عبر تغريدة لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في 27 آذار 2020، جاء فيها «تحادثت هاتفياً مع الرئيس بشار الأسد لبحث تداعيات فيروس كورونا» قبل أن ينهي تغريدته السابقة الذكر بأن سورية العربية الشقيقة «لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة».

في جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخليجية الأخيرة شهر آذار الماضي، سجلت الإمارات فيها موقفاً متقدماً من بين المحطتين اللتين حط بهما لافروف في الرياض والدوحة، ظهر ذلك في التصريحات التي جاءت على لسان وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد أثناء المؤتمر الصحفي الذي جمعه في أبو ظبي إلى نظيره الروسي عندما قال: «إن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سورية هو قانون قيصر»، ثم أضاف: إن بلاده «ستتحاور مع الولايات المتحدة بهذا الشأن»، مؤكداً دعم بلاده لعودة سورية لمحيطها العربي الذي سبق وقال إنه أمر «لا يتعلق بمن يريد أو لا يريد» لأنه «يمثل مصلحة لسورية وللجامعة العربية أيضاً».

هنا من الواضح أن الإمارات العربية كانت تعمل على إحداث ثغرة في جدار العقوبات الأميركي المفروضة على دمشق، الذي حرصت واشنطن على تحصينه عبر تدعيمه بجدر استنادية كلما لحظت إمكانية حدوث أي نوع من التسريب، وفي أي مكان على طول ذلك الجدار، وهي من حيث النتيجة كانت تدرك المخاطر التي يمكن أن تترتب على «تحدي» القانون الأميركي، وهو ما ورد بصراحة على لسان المبعوث الأميركي السابق الخاص بسورية جيمس جيفري الذي سبق له أن توعد بعقاب كل من يخرق العقوبات، بل ذكر الإمارات بالحرف حين قال: «إن أي شخص في الإمارات، أو أي دولة أخرى، يشارك في أنشطة اقتصادية مع دمشق سيصبح هدفاً محتملاً للعقوبات».

ما بين تصريح وزير الخارجية الإماراتي المتضمن سعي بلاده للحوار مع واشنطن حول «قانون قيصر» وبين إصدار وزارة الخزانة الأميركية قائمة بالسلع والمواد التي يستثنيها هذا الأخير، فترة زمنية تنقص عن الشهر بيومين، وبعد أقل من 24 ساعة على تحديد وزارة الخزانة الأميركية السابق الذكر، كانت وكالة «سانا» تورد خبراً عن هبوط طائرة مساعدات إماراتية في مطار دمشق فجر يوم الجمعة الماضي، مضيفة إن الطائرة تحوي «مساعدات غذائية ومواد طبية تساعد في التصدي لفيروس كورونا».

قد لا تكون محتويات الطائرة، على أهميتها، هي الأهم، فالأهم منها هو الرمزية في الخطوات الإماراتية، التي ما انفكت أبو ظبي عبرها، تبدي إصرارا للمضي في مسارها الواضح الاتجاه والهدف، وهي تدرك أنها كمن يسير وسط حقل ألغام وهو مزود بأجهزة كافية لتحقيق أمان كاف لذلك السير، وهذا يعني في أحد أوجهه أن السياسة الإماراتية باتت أقرب إلى وجهة النظر الروسية التي وضعها لافروف أمام من التقاهم في عواصم الخليج الثلاث مؤخراً، ومفادها أن روسيا لا تستطيع وحدها تحقيق الاستقرار في سورية، وأن على دول الخليج الاضطلاع بمسؤولية تاريخية عبر اتخاذ قرار صعب، لكنه ليس بمستحيل، يقضي بإنقاذ الوضع السوري، الذي يمثل مصلحة إستراتيجية لدول المنطقة، بل ركيزة لا غنى عنها لاستقرارها.

هناك أهمية أخرى للخطوة الإماراتية تتمثل في أنها قد تكون عامل تحفيز لدول أخرى تتقارب معها في الرؤيا، وكذا التكتيك المعتمد على سلوك طرق شائكة للوصول إلى مراميها، كمصر والجزائر، والإمارات هنا قد تكون مهيأة، لاعتبارات عدة، للعب دور رأس حربة في مشروع من هذا النوع، وهي أثبتت منذ عقد ونصف العقد على الأقل أنها تمثل مشروع قوة إقليمية صاعدة تحاول أن تبني دوراً لها وسط إقليم مضطرب يحكمه الكثير من التناقضات التي كانت قادرة في كثير من الأحيان على جمعها، وإن لم يكن فعلى اللعب على حبالها، بما يضمن لها ترسيخ ذلك الدور الذي تدرك ولا شك أن موجباته الأولى تقوم على تحقيق الاستقرار لا على نشر الفوضى التي غالباً ما يكون حصادها خاسراً، أو هو رابحاً على مدى قصير في أفضل أحواله.

أيا تكن الخطوات التي ستلي ما جرى فجر يوم الجمعة الماضية، وأياً تكن ارتداداتها المحتملة على ضفاف المؤيدين لها، فإن الخطوة الإماراتية هي بكل المقاييس «نصرة» لشعب تكالبت عليه جل شعوب العالم، والأهم هي أنها نصرة في زمن عز فيه النصير.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن