قضايا وآراء

واشنطن وبكين الأعداء الأصدقاء

| د. قحطان السيوفي

يرى العديد من المحللين أن التنافس بل المواجهة بين واشنطن وبكين يشكلان محوراً مهماً في العلاقات الدولية، فالصين لم تعد تخفي طموحاتها، والولايات المتحدة لم تعد تخفي قلقها، على المستويين الاقتصادي والسياسي.
ثمة مفارقة قلبت مفهوم الرأسمالية والاشتراكية: الولايات المتحدة الأميركية دولة رأسمالية تفتعل الحجج لطرد الشركات والمنتجات الصينية الناجحة من سوقها مثل «هواوي، وتيك توك…» على حين الصين دولة اشتراكية يفترض أن تكون منغلقة كما يتوهمها البعض، تفتح صدرها لاحتضان شركات أميركية وعالمية، وتقدم لها التسهيلات والحوافز، بالمقابل وقّعت الصين في 2020، أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم، المعروف باتفاق RCEP، ويشمل 15 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادي، كما وقَّعت اتفاقاً حول الاستثمار المتبادل الشامل مع دول الاتحاد الأوروبي. ووفقاً لدراسة مجلس الأعمال الأميركي – الصيني، فإن 90 في المئة من الشركات الأميركية العاملة في الصين ترغب في البقاء فيها.
لقد فشلت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عرقلة تقدم الصين والدليل أن حجم الاقتصاد الصيني كان عام 2016 يساوي 60 في المئة من الاقتصاد الأميركي، وأصبح الرقم 70 في المئة عام 2020. الزائر للبلدين في السنوات الأخيرة؛ يلاحظ تطور الصين السريع في كل المجالات، وخاصة البنى التحتية وتكنولوجيا الجيل الخامس والذكاء الصناعي؛ كان الناتج القومي الصيني الخام عام 1980 دون 179 مليار دولار، مقابل 2900 مليار للجانب الأميركي، وفي العام 2018 وصل إلى 13600 مليار، أي أنه زاد 75 ضعفاً، على حين الناتج الأميركي ارتفع إلى 20500 مليار، بزيادة 9 أضعاف فقط.
بالمقابل الذي يزور أميركا يشعر بالركود النسبي، ويرى مظاهر مدنها كما كانت قبل عشرات السنين.
ويعود مثل هذا التراجع النسبي لأميركا في العقدين الأخيرين إلى الحروب العبثية التي خاضتها في العراق وأفغانستان وأدت لخسائر بشرية ومادية فادحة، إضافة إلى تورطها غير المباشر في الحرب السورية ودعمها للانفصاليين ولتنظيم داعش الإرهابي؛ المولود مع «الربيع العربي» الذي دعمته أميركا.
على حين أن الصين لم تطلق رصاصة واحدة ضد أي دولة أجنبية طوال الأربعين سنة الماضية. إضافة إلى الأحداث المأساوية أميركياً في عام 2020 كالهجوم على الكابيتول، وقد أظهرت انتخابات الرئاسة الأخيرة واقع حال المجتمع ألأميركي الغارق في أزمات داخلية عميقة: الانقسام السياسي الشديد، والتفاوت الاجتماعي والطبقي، والتمييز العنصري، والركود الاقتصادي، والتغير المناخي، والفشل في معالجة جائحة كورونا، والإرهاب الداخلي الأميركي.
في أيلول 2011 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالة لنائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن بعنوان «صعود الصين ليس نهايتنا» وقال: «تربطنا التجارة والاستثمار، ولدينا مصلحة في نجاح بعضنا بعضاً، وأمامنا تحديات مشتركة، وحوافز للعمل معاً»، سنوات مضت ومع تغيرات عميقة في البلدين الأعداء الأصدقاء يفترض أن كلام بايدن لا يزال صحيحاً، وأنه لم يبد في سياسته الخارجية أي مرونة تجاه بكين. هناك تحفظات ومواقف متشددة تجاهها في مجالات سياسية واقتصادية.
في هذا السياق عُرض في مجلس الشيوخ الأميركي، مؤخراً، مشروع قانون يهدف لجعل الولايات المتحدة قادرة على مواجهة «التحديات» التي تشكّلها الصين، ويشدد المشروع على تعزيز العلاقات مع تايوان ويعتبر العقوبات الأميركية، «أداة قوية» رادعة بالتزامن مع فرض واشنطن عقوبات على سبعة كيانات صينية متخصصة في أجهزة الحوسبة الفائقة.
تعليقاً على اللقاء الأميركي الصيني الأول قال الباحث والسفير الأميركي السابق لدى سورية والجزائر روبرت فورد: مؤخراً على صعيد الدبلوماسية الأميركية، لم يكن النصف الثاني من آذار ناجحاً، في إشارة إلى استضافة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اثنين من كبار الدبلوماسيين الصينيين في ألاسكا، حيث قال بلينكن: اللقاءات مع الصين ليست إستراتيجية، وليست هناك نية لإجراء اتصالات أخرى معها، وبالتالي الاجتماع مجرد لقاء تعارف، الفريق الدبلوماسي الصيني في ألاسكا انتقد الجانب الأميركي لخرقه البروتوكول الدبلوماسي، وقال وزير الخارجية الصيني: إن العقوبات الأميركية الجديدة ضد الصين ليست أسلوباً لائقاً للترحيب. واتهم واشنطن بالنفاق عندما تشكو من الضغوط الاقتصادية الصينية في وقت تفرض فيه العقوبات.
بدوره مدير الشؤون الخارجية بالحزب الشيوعي الصيني، أكد أن الولايات المتحدة ليست المتحدث الرسمي باسم الرأي العام الدولي، وعليها التوقف عن تدخلاتها لتغيير الأنظمة، وأشار إلى خرق واشنطن لحقوق الإنسان، في مجتمعات أصحاب البشرة السمراء.
وبعد الصفعة التي وجَّهتها إلى الجانب الأميركي في ألاسكا، حظيت الدبلوماسية الصينية بنجاح آخَر في الشهر الماضي عندما التقى وزيرا خارجية روسيا والصين، وجاءت تصريحات سيرغي لافروف المعلنة مطابقة لما قاله الصينيون في ألاسكا.
ترغب الصين وروسيا في أن تحتل الأمم المتحدة موقعاً محورياً في النظام العالمي، وخصوصاً أن البلدين يتمتعان بحق النقض «الفيتو» بمجلس الأمن.
وتعد سورية نموذجاً، فكيف يمكن لنظام يعمل تحت مظلة الأمم المتحدة إدارة أزمة ما؟
في 27 آذار، وقّعت الصين اتفاقاً مع إيران للتعاون الطويل الأمد. لتنضم إيران لمبادرة «الحزام والطريق». كما دعمت الصين الموقف الإيراني القائم على فكرة أنه يجب على واشنطن أولاً رفع العقوبات عن إيران قبل استعادة الاتفاق النووي.
الرئيس بايدن يمارس وصائية استعمارية متعالية مع شعور بالفوقية عن بقية الدول وقسّم العالم إلى قادة للديمقراطية، هم حلفاؤه، وآخرون خاضعون للتقييم ومسؤولون عن عدم التزامهم بما تقرره هذه الدول.
هنا تكمن مشكلة الولايات المتحدة التي لم تتمكن من إدراك حقيقة أن العالم قد تغيّر، وأن الصين قوة عظمى تفرض نفسها في العلم والتكنولوجيا والأداء المميز، وكقوة أخلاقية تطرح حلولاً لمشاكل العالم عبّر عنها الرئيس الصيني شي في كلمته بمؤتمر دافوس 2021 عندما أكد على التعددية، وأن العالم يسير في مركب واحد وله مصلحة واحدة للوصول إلى برّ الأمان.
باختصار، فإن هدف الصين الأساسي هو التنمية الذاتية، وإن إقامة علاقات سليمة ومستقرة بين البلدين، بعيدة عن الصراع والمواجهة، تخدم مصالحهما وتتّفق مع مصالح وتمنّيات جميع شعوب العالم، والانتقال من المنافسة إلى المواجهة والصراع بين الأعداء الأصدقاء، القوتان النوويتان يعني كارثة على البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن