قضايا وآراء

بلينكن وأوستين والسياسات الروسية

| تحسين الحلبي

أعد مركز كارنيجي للدراسات قبل عام بحثاً حول ما يمكن أن يتنبأ به المركز عن مستقبل العلاقات الأميركية الروسية حتى عام 2030 وبرغم أنه قام بهذا البحث في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في منتصف عام 2020، إلا أنه تعامل مع السياسة الأميركية كما تحدث الآن في عهد الرئيس جو بايدين لأنه استمر باتباع سياسة ترامب في معظم جدول عملها الخارجي وبخاصة تجاه روسيا والصين اللتين تناهضان سياسة الهيمنة الأميركية وتمكنتا من فرض خسارة فادحة على المصالح الأميركية في العالم وتحديداً في زعزعة نظام القطب الأميركي الواحد الذي تعمل واشنطن على فرضه على العالم، وتوصل المركز إلى أن الدولتين لا يمكن أن تبلغ علاقاتهما درجة الصدام المباشر العسكري وستظل تشهد وضعاً يتأرجح ما بين الأمر الوقع وما بين تصاعد الأزمة وبذل الجهود لاستقطاب الحلفاء حسب ميزان القوى العالمي والدور الأوروبي وطبيعة المصالح النسبية للقوى الكبرى.
لكن أحداً لا يشك في هذه الظروف بأن أزمة العلاقات الأميركية الروسية تشهد تفاقماً متزايداً بل شبه تصادم في منطقة البحر الأسود وفي منطقة الشرق الأوسط، فقد وضع بايدين على جدول عمله موضوع إجبار روسيا على التخلي عن شبه جزيرة القرم والتخلي عن تقديم الدعم الشامل للمواطنين الروس في مناطق أوكرانيا الشرقية، وتلاحظ كل وسائل الإعلام العالمية أن سياسة بايدين في منطقة البحر الأسود بدأت تعمل على استقطاب وتوظيف الحلفاء لأوكرانيا في ظل تزايد التهديد الأوكراني لروسيا، علماً أن أوكرانيا لم تتعلم من الدرس الذي لقنه الروس للرئيس ميخائيل ساكاشفيلي في جورجيا، وهي إحدى دول البحر الأسود المتشاطئة فيه مع روسيا حين حاول تحضير جورجيا للانضمام إلى حلف الأطلسي وأحبطت له روسيا هذه المؤامرة.
اليوم يحاول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تكرار ما قام به ساكاشفيلي بدعم أميركي علني، جعل روسيا ترسل تعزيزات عسكرية على حدودها مع أوكرانيا لردع زيلينسكي وحلفائه عن أي عمل طائش ترد عليه روسيا بشكل أوسع مما يتصوره حلفاء أوكرانيا بموجب ما تتناوله وسائل الإعلام في أوروبا والبحر الأسود.
موقع مجلة «أنتي وور» الأميركية الإلكترونية نشر أجوبة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن رداً على أسئلة طرحتها القناة الأميركية «إن بي سي» في 11 نيسان الجاري حول ما يمكن أن تفعله واشنطن رداً على التوتر الساخن بين أوكرانيا وروسيا فأجاب: «إن الولايات المتحدة قامت بفرض تكاليف على ما فعلته موسكو حين احتلت شبه جزيرة القرم، وهذه السياسة نجحت وستظل تحمل نتائج مفيدة»، وتجنب تحديداً واضحاً لطبيعة الرد الأميركي برغم أن وكالات أنباء غربية تحدثت عن احتمال أن تحتل روسيا كل أوكرانيا إذا حاولت استعادة شبه جزيرة القرم.
كما أجاب بلينكن عن سؤال يتعلق بتحديد الرد الأميركي إذا ما حاولت الصين إنهاء وجود تايوان وضمها بالقوة فقال: «إن عملاً صينياً من هذا القبيل سيعد خطأً فادحاً لأن واشنطن ملتزمة باتفاق ثنائي مع تايوان والمحافظة على الأمر الواقع بينها وبين الصين».
لكن هذه الأجوبة لم تمنع الإدارة الأميركية من إرسال بارجتين حربيتين كانت قد قدمت طلباً مسبقاً بدخولهما إلى البحر الأسود عبر مضيق الدردنيل وبحر مرمرة قبل خمسة عشر يوماً بموجب ما يفرضه نظام اتفاقية مونترو على دخول قطع بحرية عسكرية لدول ليست من دول البحر الأسود وسوف تعبر البارجتان في 14 نيسان الجاري وتغادران بعد 15 يوماً فقط.
ومع ذلك استغل الرئيس التركي رجب أردوغان هذا التوتر بين روسيا وأوكرانيا وسارع الى استعراض اصطفافه مع أوكرانيا واجتمع مع رئيسها زيلينسكي قبل أيام في أنقرة بتنسيق أميركي أطلسي لاستفزاز روسيا في تلك المنطقة من البحر الأسود.
يبدو أن زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستين إلى مقر قيادة الأطلسي في بروكسل وكذلك ألمانيا وبريطانيا خلال أيام بعد زيارته لإسرائيل، قد تشكل جزءاً من الضغوط أو التكاليف التي تحدث عنها بلينكن للقناة الأميركية والتي ستكون مجرد رد استعراضي على التحرك الروسي العسكري الجاهز للرد على أي استفزاز عسكري قد تقوم به أوكرانيا أو أي من حلفائها ولا شك بأن روسيا سيكون لها موقف واضح تجاه اصطفاف أردوغان مع زيلينسكي وكل من يستخف بالدور الروسي في منطقة البحر الأسود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن