قضايا وآراء

أردوغان والإخوان خذلان أم انتهاء الدور؟

| منذر عيد

هل تفاجأ الإخوان بقرار رئيس النظام التركي رجب أردوغان ببيعهم لمصلحة إعادة علاقاته مع مصر ودول الخليج؛ أو الأصح هل يحق لهم أن يتفاجؤوا من قرار كهذا؟!
لطالما كان وجود جماعة «الإخوان المسلمين» في الأصل، منذ تأسيس الحركة على يد بريطانيا، من أجل أدوار وظيفة هنا أو هناك، تصب جميعها في هدف واحد وهو إبقاء منطقة «الشرق الأوسط» متخلفة وغير مستقرة وتحت السيطرة، وانتفاء الحاجة لهم، أو التحالف معهم يكون مع انتهاء الدور الوظيفي الذي تقوم به، فهل تخّلى أردوغان بذلك عن «الإخوانية»، وحلمه «كإمام للمسلمين» الذي دائماً ما حاول الظهور به، والظهور في جميع الاجتماعات والمؤتمرات التي عقدها «الإخوان»، أو لعب دور المدافع عن حقوق المسلمين ومقدساتهم؟!
جميع من يتعامل مع «الإخوان»، ويحتويهم، ويقدم الدعم لهم، يتعامل معهم على أساس أنهم «أداة وظيفية»، وهو ما كانوا عليه منذ عقود مضت، حقيقة تكشفها الوثائق، التي تضمنها كتاب «العلاقات السرية» للكاتب مارك كيرتس الذي صدر في 2010، حيث يؤكد أن «جماعة الإخوان المسلمين» كانت أداة بيد بريطانيا في بدايات تأسيسها، لتفتيت الوطن العربي، والحؤول دون الاتفاق على مشروع قومي وطني واحد، إلى تحولها لأداة بيد الولايات المتحدة الأميركية في زمن حكم جمال عبد الناصر، وصولاً إلى الانخراط في الحرب الباردة مع أميركا ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، لتبقى أداة في يد مشغل أكبر دائماً، يزج بها كأداة تأجيج أوضاع في مناطق محددة يرى زعزعة الأوضاع بها مصلحة له، وما جرى في سورية وليبيا مثال حي على ذلك.
أردوغان الذي تخلى عن أقرب المقربين من حلفائه السياسيين، بدءاً من انقلابه على فتح اللـه غولن، وإبعاد أحمد داود أوغلو، وعبد اللـه غول، حكماً لا يجد حرجاً من تقديم «الإخوان» كبش فداء لأجل مصالحه الشخصية، وخاصة أنهم باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً عليه، مع تزايد عزلته، وخروجه من جميع اتفاقات الدول المحيطة، وحجر عثرة في طريق المصالحة مع مصر وبعض دول المنطقة، ولا يجد حرجاً في تسليم قيادات وعناصر منهم إلى السلطات المصرية، وإن تريث في اتخاذ خطوة كهذه، طالباً مهلة في ذلك، مُقدماً على خطوات أولى لإبداء حسن النيات في إعادة العلاقة مع القاهرة، وباتجاه إنهاء «الإخوان» في تركيا، خطوات تمثلت، بتجميد منح الجنسية لعدد من عناصر الإخوان، وإيقاف بعض برامج القنوات الإعلامية التابعة لـ«الإخوان» «الشرق، مكملين، وطن»، والطلب منها ضبط سياساتها التحريرية فيما يتعلق بالشأن المصري، والتوقف عن مهاجمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، وتحويل القنوات إلى اجتماعية ودرامية، ليؤكد مستشار أردوغان، ياسين أقطاي، «أن الخطوة جاءت لضبط أداء تلك القنوات في إطار التوجه الحالي لتحسين العلاقات مع مصر، وبأن السلطات التركية لم تكن تتابع ما تقدمه هذه القنوات حتى تم تبليغها من الحكومة المصرية بأن هناك تجاوزات في برامج القنوات الإخوانية، وتحققت السلطات التركية من وجود تلك التجاوزات»!
يتصف رئيس النظام التركي إجادته فن المراوغة؛ والتحايل على الوقائع؛ واللعب على المتناقضات لكسب جولة مرحلية؛ على أمل الفوز في النزال الذي يخوضه؛ واتفاقه الذي وقعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وما سمي باتفاق «سوتشي» وملحقه بخصوص خفض التصعيد في إدلب، مثال حي، فبنود ذاك الاتفاق ما زالت حبراً على ورق طالما لم يلتزم النظام التركي بأي منها كضامن للتنظيمات الإرهابية، وهذا ما تنبهت إليه مصر، حيث أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري قبل أيام أن الأقوال وحدها لا تكفي لاستعادة كامل العلاقات بين البلدين، قائلاً: «إن وجدنا أن هناك تغيراً في السياسة والمنهج والأهداف التركية لتتوافق مع السياسات المصرية ومع ما يعيد العلاقات الطبيعية لمصلحة المنطقة، من الممكن أن تكون هذه أرضية لاستعادة الأوضاع الطبيعية».
هل قرر أردوغان فعلاً خلع لبوس الإخوانية؛ أم إن ذلك مجرد التخلي عن «الإخوان» فيما يخص جانب إعادة العلاقات مع مصر، وتقديمهم «كبش فداء» على مذبح مصالح بلاده العليا؛ أم هي خطوة إلى الوراء؛ ريثما يحصد ثمار التقارب مع مصر ودول الخليج، ويقلب لهم ظهر المجن لاحقاً؟ وخاصة أن «الإخوان» يمثلون رأس حربة، ومطية في مشروع أردوغان التوسعي «العثمانية الجديدة»، والتي يتخذ من راية الدين سبيلاً للتمدد في دول المنطقة، والهيمنة على قرارها السيادي، أسئلة كثيرة على بساط الطرح، من دون أن ننسى المثل القائل «الكلب لا يعض ذنبه»!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن