ثقافة وفن

عادات رمضانية وموروثات مختلفة في كل بلد عن الآخر … استقبال المسلمين لشهر رمضان الكريم حول العالم

| سارة سلامة

يستقبل العالم الإسلامي شهر رمضان المبارك بالكثير من الرحمة والغفران والبركات في مختلف المناطق، ومع تنوع الثقافات والموروثات الشعبية تظهر عادات يتفرد بها كل بلد عن الآخر ومنها عادات قد نراها غريبة، تعبر عن روح الشهر الكريم والاحتفاء بقدومه في شتى الدول.

في سورية

تكاد سورية تنفرد بتقاليد مميزة عن مثيلاتها من البلدان العربية والإسلامية في تعايش الناس مع بعضها، فيمارس أهل دمشق عادات قديمة عريقة في رمضان توارثوها عن أجدادهم تحكي روح التراث والأصالة والمحبة والتواصل الديني والأخلاقي فيما بينهم وهي عادات تكاد تندثر هذه الأيام.

حيث تسود عادات وتقاليد لها علاقة بتداول عادات اجتماعية وتقاليد غذائية وأخرى ما أثرى التراث الثقافي والاجتماعي السوري لاحقاً، ومنها ما يتعلق بالمائدة الرمضانية الشامية فالناس يولون عناية خاصة بالمشروبات والحلويات التي تضم مائدتهم كشراب (العرقسوس) و(قمر الدين)، ومن المأكولات: الفتوش والتبولة والكبة والمعجنات، ومن الحلويات الكنافة النابلسية والمدلوقة.

وما زالت عادات وتقاليد (المسحر) الذي يقوم بإيقاظ النائم للسحور وهي ظاهرة عامة منذ العصر الأموي بوساطة الضرب على الطبلة وهو ينادي على الناس، والمسحر من المنطقة ويعرف كل الناس، أما العادة الثانية فهي إطلاق مدفع السحور وبعدها بمدة قصيرة مدفع آخر حتى يتم استيقاظ الجميع لتناول طعام السحور، وبعد تناول السحور يذهبون إلى المسجد لأداء صلاة الفجر وبعد الصلاة البعض يقرأ القرآن أو يستمع إلى علماء الدين وهم يردون على أسئلة واستفسارات الصائمين الموجودين في المسجد.

رمضان في مصر

يحتل شهر رمضان مكانة فريدة في ذاكرة ووجدان المصريين على مر العصور، وقد صبغوه بمظاهر ومعان جعلته مختلفاً عن سائر بلدان الشرق الأخرى، فأقاموا من أجله الليالي الاحتفالية العامرة بشتى صنوف اللهو والبذخ، إلى جانب حرصهم في الوقت ذاته على التقرب إلى اللـه خلال أيامه.

ولم يغفل الرحّالة والمستشرقون الذين زاروا مصر منذ العصور الوسطى رصد اختلاف حياة عامة الناس في هذا الشهر تحديداً، وأعربوا عن دهشتهم من بزوغ عادات وطبائع بعينها خلال هذه الفترة دون غيرها، تولد بفرح مع استطلاع هلاله وتختفي بحزن مع قرب انتهائه، فجاءت كتاباتهم حافلة بشهادات ورؤى حفظت صورة تاريخية نابضة بالحياة حتى وقتنا هذا، غلبت عليها الدقة وطرافة الوصف.

منهم الرحّالة العرب المسلمون الذين رصدوا عادات وتقاليد المصريين بعين المسلم الذي يألف ما يراه، والعالم ببواطن الأمور الشرقية لغوياً ودينياً، من أمثال الرحّالة ابن الحاج، وابن جبير، وناصر خسرو، وابن بطوطة، ومنهم الرحّالة الأجانب، وحملت في كثير من الأحيان طابع الدهشة لاعتبارات الاغتراب الديني والثقافي.

حيث زار الفرنسي دي فيلامون مصر في القرن السادس عشر عام 1589، وتطرق في تفاصيل رحلته التي نشرها بعنوان: «رحلات السير دي فيلامون» إلى المواكب الدينية وحلقات قراءة القرآن في رمضان، وزينة المساجد وعمارتها، وتحدث عن ظاهرة أشبه بما يُعرف حالياً باسم «موائد الرحمن» الخيرية التي عرفتها مصر على مدار عصورها الإسلامية حتى الآن، قائلاً:

«يجلس (المصريون) على الأرض يتناولون الطعام في الفناء المكشوف أو أمام منازلهم، ولديهم عادة دعوة عابري السبيل إلى مشاركتهم الطعام بصدق وحفاوة».

وكما في الكثير من بلدان الشرق، تتميز مصر بمهنة «المسحّر أو (المسحراتي)» الذي يتولى إيقاظ الناس من النوم لتناول وجبة السحور قبل صلاة الفجر استعداداً ليوم صيام جديد، ويقدم لنا العالم الفرنسي جيوم أندريه فيوتو في دراسة بالغة الأهمية تناول فيها بالفحص الدقيق «الموسيقا والغناء عند المصريين المحدثين» منشورة ضمن دراسات «وصف مصر» تعريفاً بالغ الدقة لهذه المهنة قائلاً:

«هم نفر لا يسمع الناس غناءهم إلا خلال شهر رمضان، ويسمون المسحّرين، ويوصف بهذا الاسم أولئك الذين يعلنون كل يوم طوال شهر رمضان، عن اللحظة التي يوشك فيها نور النهار الجديد أن ينبلج من ظلام اليوم المنصرم، وهي تسمى في اللغة العربية بوقت السحور، وهي أيضاً الفترة التي ينبغي أن تتم فيها آخر وجبات الليل، لذلك يطلق على هذه الوجبة (السحور) وبعد انتهاء الوجبة لا يسمح للمسلمين أن يشربوا وألا يأكلوا، حتى مغرب الشمس، وهم ملزمون بمراعاة هذه الفترة بعفة صارمة».

عادات رمضانية غريبة

في السودان لابد أن يتم تجديد أواني المطبخ احتفالاً بقدوم الشهر الكريم، كما يتم تدريب النساء على تجويد القرآن كل صباح، لكن أكثر ما هو غريب أن الإفطار يجب أن يكون جماعياً في ساحات واسعة حيث تجتمع كل الأسر في ساحة واحدة للإفطار معاً.

وفي أوزباكستان يتم التحضير لحفلات إفطار جماعية يتم فيها دعوة الأهل والأصدقاء والجيران، ولابد أن يذبح خروف على الإفطار، ويقدم مع أرغفة العيش كبيرة الحجم التي يجب أن تخبز بالمنزل ومع الزيت والحليب، ولا يهمل تحضير مائدة تشمل جميع أنواع الشاي الأسود.

بينما تستقبل الحكومة الإندونيسية رمضان بمنح إجازة للطلاب في الأسبوع الأول من رمضان للتعود على الصيام، لكن أكثر مظاهر الاحتفال برمضان هو قرع الطبول التقليدية المعروفة باسم «البدوق».

من جهتها تقدم باكستان أغرب العادات على الإطلاق تلك التي تقوم بها مدينة بيشاور الباكستانية التي تشتهر بإقامتها لحفل عرس تجمع فيه كل الأطفال الذين يقومون بالصوم لأول مرة لتشجيعهم على الاستمرار، والعادة الأكثر غرابة هي مسابقة «حرب البيض المسلوق» التي لابد أن تقام على مدار شهر رمضان، وهي لعبة تبدأ في المساء وتنتهي عند موعد السحور، وتعتمد قوانينها على إمساك أحد المتسابقين الشباب ببيضة مسلوقة، ويضرب بها الأخرى التي في يد خصمه بهدف كسرها، حتى يتأهل للمرحلة التالية.

وتعكف الإدارات المحلية في ماليزيا على تنظيف الشوارع عقب استطلاع هلال رمضان في ماليزيا، وتقوم بنشر الزينة الكهربائية في الميادين الرئيسية احتفالاً باستقبال الشهر الكريم، ومن العادات الغريبة أيضاً حرص النساء على الطوف بالمنازل لقراءة القرآن ما بين الإفطار والسحور.

وفي نيجيريا غير مقبول إفطار كل أسرة بمفردها، ولكن لابد أن تجمع الأطعمة التي تم إعدادها في كل منزل ويتم تقسيم الموائد أمام أقرب منزل إلى جزأين أحدهما للرجال والآخر للنساء، لكن الأغرب، هو حرص كل أسرة على استضافة أحد الفقراء يومياً على مائدة الإفطار، كنوع من التكافل الاجتماعي خلال شهر رمضان.

من أفضل العادات رغم صعوباتها هي العادة التي يقوم بها الشعب الموريتاني حيث يحرصون على قراءة القرآن الكريم كله في ليلة واحدة، كذلك يعمد الموريتانيون لحلق الرؤوس قبل حلول الشهر بأيام حتى يتزامن نموه من جديد مع أيام الشهر المبارك ويسمى «شعر رمضان»، كما تقوم بعض الأسر بتأجيل زفاف أبنائها لأيام هذا الشهر تيمناً به وتفاؤلاً باستمرار المعاشرة الزوجية للأسرة الجديدة.

ويقوم أهل المغرب بضرب النفير سبع مرات للسحور بمجرّد التأكّد من ظهور هلال رمضان لتنطلق ألسنة الناس بالتهنئة بجملة (عواشر مبروكة) أي أيام مباركة مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة: عشر الرحمة، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار.

بينما يحرص مسلمو الصين على عدم تناول طعام الإفطار إلا بعد الصلاة، ويجرحون صيامهم بتمرة مع كوب من الشاي المحلى بالكثير من السكر، كما يحرصون على ألا تخلو المطابخ الإسلامية الصينية من الكعك والحلويات المحلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن