عندما ظهرت نظرية الذكاء المتعدد قدمت لنا عزاءً خاصاً.. فعلى الأقل أصبح لدينا عدة أنواع من الذكاء، وإن فاتنا نوع ما فإننا ربما نحصل على نوع آخر.
بمعنى آخر.. لا يوجد أي شخص منا خالياً من نوع من أنواع الذكاء.. ما يمكن أن نُحرم منه في مجال قد نعوضه في مجال آخر، ومثلما يمنع عنّا «القنوط» من فقر الذكاء في نوع ما لكنه أيضاً يحمينا من الغرور من فرط الذكاء أو الإحساس الواهم بفرط الذكاء.
لكن ثمة أنواع من الذكاء تبدو مميزة ولها وقع خاص في النفس والأهم من ذلك أنها تجعل حياتنا أجمل وأسهل أو أقل صعوبة.
ما أريد أن أتوقف عنده هنا هو ما يسمى الذكاء الروحي.. وكثيرة هي قائمة التعريفات التي حاولت أن تمنح فهماً خاصاً للذكاء الروحي، لكن أبسط ما يمكن أن نعبّر به عن الذكاء الروحي هو خلق اتفاق سلام بين الإنسان وعالمه الداخلي لحظة اصطدامه مع «الحياة».
هذه هي الطريقة التي أردت أن أعبّر فيها عما وصلني من غابة التعريفات حول الذكاء الروحي.
إن أهم ما يمكن النقاش حوله في الدوافع التي تجعل من هذا الأمر مهماً أن أي إنسان مهما كان لا يستطيع أبداً أن يمنع المؤثرات الخارجية عن داخله، وأنه في معظم لحظات حياته يجد نفسه في مواجهة مع «الكون» بكل غموضه وبكل تعقيداته.
ولأنه لا يستطيع أن يتحكم بما يجري له وحوله، فإن الشيء الأهم في هذه الحالة هو أن يحاول خلق انسجام خاص مع نفسه، حيث يرتب بيته الداخلي كي لا تتبعثر وتتناثر أفكاره وتتشظى نفسه.
علماء النفس والمتنورون والصوفيون أكثر الناس الذين تحدثوا عن هذه الحالة من دون أن يطلقوا عليها اسم الذكاء الروحي.
تعددت التسميات لكن المفهوم الواحد الذي يمكن أن يصل إليه الجميع هي لحظة النور الداخلي حيث تبدو الأشياء مشعة بالاطمئنان ومنسجمة مع الكون وأعاصير الخارج لا تحرك ساكناً في الداخل.
ثم وانسجاماً مع ذلك تأخذ الأمور منحىً أجمل عندما تصبح الأفكار أكثر عطاءً ويتحول تدفق الجمال الداخلي للعالم من حولك.
عالم نفس أمريكي اسمه روبرت إيمونز يعتقد أنه ينبغي «اعتبار الروحانية نوعاً مستقلاً من العلوم الإنسانية» ويشرح ذلك بالقول: «إن الذكاء الروحي في جوهره يعني قدرة الإنسان على مسايرة العالم من حوله واكتشاف معناه ومغزاه».
سأصل بكم إلى السؤال الأكثر أهمية:
هل السوريون يمتلكون ما يكفي من الذكاء الروحي؟
إذا اعتمدنا على كم الأعاصير التي تعرض لها السوريون خلال السنوات الفائتة وما زال لدينا الإمكانية والقدرة على الحفاظ على إمكاناتنا النفسية فإنه من المؤكد أننا من أذكى الناس «روحياً».
صحيح كثيراً من القناعات تزعزعت، وكثيراً من الأفكار تغيرت لكن ثمة نبع من الصفاء ما زال قادراً على أن يمدّنا بالراحة كلما احتجنا إليها وما أكثر ما نحتاج إليها.
أقوال:
• المثقفون يأتون لحل المشاكل بعد وقوعها.. والعباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ.
• الرضا يضيء الوجه.