ربما من الطبيعي لكل فلسطيني وعربي في هذه الأمة أن يطرح سؤالاً منطقياً هو: ألا يعرف هذا الصهيوني الذي قبل أن يستوطن في فلسطين والجولان العربي السوري أن هذا الشعب الفلسطيني والسوري كان يعيش فوق أرضه منذ آلاف السنين وأنه يحمل في ذاكرته صوراً عن كل شبر فيه وهو الذي أطلق الأسماء على القرى والمدن فيه وأهمها مدينته التاريخية القدس ومقدساتها التي لا تفارق في كل يوم وجدانه القومي والديني مسلماً ومسيحياً؟
نعم لابد أن يعرف المستوطنون المحتلون ذلك وإن كان قادة إسرائيل يحاولون تغيير أسماء هذا الوطن ومعالمه العربية والإسلامية والمسيحية، على حين نحن العرب منذ الانتداب البريطاني الاستعماري على فلسطين والمنطقة في القرن الماضي، نفرض على ذاكرتهم وأمام أعينهم تمسكنا بوجودنا التاريخي حين يرون أنفسهم محاطين بشعوب عربية قاومت احتلالهم وما زالت تقاوم وتتمسك بحقوقها الوطنية وتطالبهم بإعادة الحقوق وبالخروج من هذا الوطن والعودة إلى الأوطان التي جيء بهم منها مع الاستعمار البريطاني.
إن معرفة المستوطنين بهذه الحقيقة الواضحة والبسيطة تجعلهم يدركون السبب الأساسي لرفض أفراد وشعوب هذه الأمة لتطبيع علاقاتهم مع المحتل، وهو السلاح الذي يفرض على المستوطنين إدراك أننا لا نسلم بوجودهم فوق أراضينا المحتلة، وهم يرون بأنفسهم أن اتفاقية كامب ديفيد أو أي اتفاقية تسوية تجري مع حكومة عربية منذ أكثر من 41 سنة لم تؤد إلى تطبيع الشعب المصري العظيم لعلاقاته معهم، فلم يختلف عند المستوطنين الوضع عما كان عليه منذ احتلال سيناء والجولان العربي السوري وبقية أراضي فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وحين وقعت القيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو عام 1993، رأت القيادة الصهيونية أن هذه التسوية مع ممثلين عن الشعب الفلسطيني ستحقق للمستوطنين علاقات تطبيع مع الفلسطينيين وبقية العرب، لكنهم وجدوا أن الشعب في الأراضي المحتلة قام بتصعيد مقاومته ونفذت فصائل المقاومة عشرات العمليات الاستشهادية بشكل غير مسبوق قبل اتفاقات أوسلو.
وفي أعقاب اتفاقية التسوية مع الأردن عام 1994 وجد المستوطنون أن الشعب الأردني ومعه الفلسطينيون اللاجئون في الأردن لم يطبعوا أي شكل من العلاقات مع المحتلين بل وجدوا أن الشعوب العربية لا ترفض التطبيع فحسب بل إنها تندد بكل فرد عربي يخرق هذا الموقف الشعبي العربي الطوعي المؤمن برفض التطبيع وبالتنديد بكل من يشذ عن هذا الموقف من الجمهور العربي.
لا شك أن هذا الرفض الطبيعي للتطبيع ورفض التسليم بما سلبه العدو من الأراضي المحتلة هو التجسيد الملموس لشكل من أشكال مقاومة جماعية طواعية متأصلة بقيم هذه الأمة وعقيدتها من أجل حماية أوطانها ومقدساتها تقوم بها هذه الأمة، فتجعل المستوطنين لا يشعرون بالأمان على مستقبل وجودهم ويدفعهم ذلك إلى مغادرة إسرائيل باتجاه هجرة عكسية إلى أوطانهم التي ما زالوا يحملون لغتها وثقافتها وتقاليدها حيث يشعرون بالأمن وهذا ما تؤكده الأرقام الإسرائيلية التي تسجل إحصاءات عما يزيد من مليونين من الإسرائيليين الذين استعادوا جنسياتهم ومواطنيتهم في أوروبا بشكل خاص على حين اتجه آخرون إلى الولايات المتحدة وهذا ما تؤكده أرقام موقع الكنيست الرسمي الإسرائيلي حين تشير إلى وجود 800 ألف من الإسرائيليين الذين تحولوا إلى مواطنين أميركيين إلى حد جعل الصحفيين في إسرائيل يصفونهم بتجمع الإتنيات المتعددة التي ضمتها إسرائيل في وقت من الأوقات.
إن المقاومة التي تتجسد في رفض التطبيع، تعد عاملاً جماعياً عربياً يفرض ويحرض الإسرائيليين على عدم الاطمئنان حين يقول لسان حالهم إن أكثر من أربعين سنة من اتفاقية التسوية مع مصر لم تجعل الشعب المصري يرى في إسرائيل والإسرائيليين ما يستحق التطبيع معه وهذا يعني أن ثلاثة أجيال منذ نكبة عام 1948 ما زالوا لا يسلمون بقبول إسرائيل فما بالك بالفلسطينيين الذين ما زالوا لاجئين يتطلعون إلى العودة واستعادة أراضيهم وممتلكاتهم.