«اشتقنا لأيام رمضان في سورية»، هذه العبارة كانت في السابق حكراً على المغتربين السوريين، حيث كان الحنين لقضاء أيام من الشهر الفضيل بين الأهل والأقارب أشبه بناقوس يعاد دقه كل يوم.
ربما قد يبدو هذا الشعور طبيعياً لأنه في الأساس حنينٌ للوطن ومن ثم الأهل، لكن دعونا نعترف بعيداً عن المبالغة في المشاعر بأن الأجواء الرمضانية السورية كان فيها الكثير من التميز، لندع الحالة الإيمانية على حدة لأن هذا ليس موضوعنا، كذلك الأمر لنتجاهل الأطباق السورية المميزة التي كانت متاحة للأغلبية الكاسحة من السوريين وبأقل التكاليف «زمن العز»، لكننا نتحدث عن الكثير من المشاهدات والعادات والتقاليد الاجتماعية الجامعة والعابرة للانتماء الديني، كان رمضان هو البوتقة التي يجمعها والجميع يستفيد منها بطريقة أو أخرى، وبصورة أقرب للفكاهة حتى البيئة والصحة العامة كانتا مستفيدتين، لأنك لن تشاهد مدخّناً واحداً في الشوارع العامة أو الحافلات.
لا أدري إن كانت عبارة «اشتقنا لأيام رمضان في سورية»، لا تزال حكراً على المغتربين، ربما الجميع اليوم بات يحن لتلك الأيام الجميلة، وبمعنى آخر فإن رمضان الذي نعرفه بات حالة اشتياق لمن هم داخل سورية وخارجها على حدّ سواء، فرمضان تبادل الأطباق بين أبناء المبنى في إجازة، لأن العائلة اليوم بالكاد تجد ما يسدّ رمقها. كذلك الأمر فإن رمضان السمو الروحي يتلاشى، لأن الجميع يعيش بحالة من الضغط التي تجعله قابلاً للانفجار بأي لحظة. حتى رمضان «قبول الآخر» يبدو مريضاً، كيف لا والحرب الإعلامية نجحت بتعويم ثقافة عدم الفصل بين الدين والتكفير، بين الرسالة السماوية وترهات البشر وفتاواهم، ولو ذهبنا بعيداً جداً لقلنا حتى الدراما السورية التي كانت تجمعنا ما عادت كذلك، وإذا ما استثنينا القلّة القليلة فإنها بمعظمها باتت عبارة عن مجموعة من الهاربين من شبح «التصابي»، وبنصوص إن لم تكن مسروقة عن أعمال عالمية فهي مجموعة من الحوارات المكررة، أما ما يسمى الكوميديا السوداء التي من المفترض بأنها توصّف الواقع فلم يبق منها إلا اسمها، ومجموعة من الحوارات الشوارعية والنكات السمجة التي لا ترتقي لفن الكوميديا، وغيرها الكثير من القصص التي بات الجميع يفتقدها تحديداً أبناء جيلنا الذي عاصر كل ما هو مميز في هذا الوطن المريض، ليبقى السؤال: ما الذي بقي؟
سنعود لقصة عدم التدخين أمام الصائم فهي جوهرية لكونها لم تكن مفروضة بقوة القانون، بل بثقافة احترام مشاعر وعقائد الآخرين، برأيي هذا الاحترام الذي تبقى، لكنه كنزٌ ثمين وهو ما نستطيع أن نبني عليه في المستقبل.
في الخلاصة: كل شيء تغير؟ نعم، لكن المهم ألا نتغيّر نحن، فمن تربّ على الاحترام فسيخرج من محنه واحترامه معه، ومن تربّ على «العز» فسيخرج من الحرب وعبق القناعة يعطّر مستقبل هذا الوطن، كل شيء تغير؟ نعم.. لكن روح الانتماء لما تمثله سورية الوطن باق.