ثقافة وفن

تفكيرنا ومفكرونا!!

| إسماعيل مروة

هناك أشياء لا يمكن أن نصدقها مهما بلغت بنا مرحلة التشاؤم، فقد يفهم واحدنا أن يجد من لا يحب السماع، ومن لا يستسيغ الفن، ولكن الذي لا يمكن فهمه أن يتصدى واحدهم لإلغاء طه حسين لأنه ألغاه وكفّره، وربما وصل الأمر ببعضهم للتشكيك بالعقيدة والانتماء! وهَبْ أنه كذلك، فذلك شأنه، وليس من حق أحد أن يلغيه لمجرد أنه يخالفه في الرأي، ومن الذي أقنع هذا الشخص أنه على صواب؟!
لو كان على صواب، فأمره له لنفسه، وليس لرفض الآخرين، وأسوأ ما في الأمر أن يقوم بهذه المهمة أناس يحملون ألقاباً علمية رنانة، ويتصدرون للمنابر الإعلامية، وعدد المقاطع التي يتناولها مستخدمو وسائل التواصل أكثر من أن تحصى، لكن ما يقف عنده المرء هو تلك المقاطع المأخوذة عن منابر إعلامية وشاشات، يتصدر فيها أشخاص يفترض أن يكونوا من الذين يرشدون الناس إلى الحقيقة، ويفترض أن يقدموا المعلومة الموثقة، وألا يلقوا المعلومات جزافاً، وألا يحوروها ويغيروها حسب مقتضى مصالحهم.. ووفق توجهات آرائهم وأفكارهم.
نوّاحة وردّادة، مذيع ودكتور على شاشة يقدمان كشوفهما الإيمانية، فبعد أن قررا أن أم كلثوم هي يهودية، أو صناعة يهودية وأميركية وإمبريالية! جاءا للدخول في عمق الأخلاق، ومن يتابع هذا الحوار يعلم أن الدكتور العالم أمضى حياته يستمع لأم كلثوم وأغنياتها، ويحفظ كلماتها!
يرى الدكتور العالم أن أم كلثوم متهتكة وداعرة، وتدعو إلى الانحلال الأخلاقي، وأغنياتها وكلماتها من الجنس وإثارة الرغبات فبدأ من (القبلة إن كانت للمحبوب) و(سلّم وخد إيدي في إيديه) وقام بحركات تمثيلية لكلمات الأغنية، متناسياً الصورة الشعرية، وأبعاد الكلمة، والغاية الغنائية الجمالية، معتبراً أن الأغنية هي مشهد جنسي يبعد الإنسان عن الله والإيمان، وكأن هذا العالم المتعمق لم يقرأ شعراً صوفياً وغير صوفي في حياته، وكأنه لم يسمع بالشعر ومجازاته، ليقوم بمحاكمة أم كلثوم، والمذيع بحالة من تمثيل عدم التصديق والبله يأتي على أن أم كلثوم في فيلم فاطمة نامت على ذراع رجل غريب حملها، وظهرت ملابسها الداخلية، والعياذ بالله، ولم ينسَ المفكر الدكتور أن يشكره على هذه المداخلة والجهد في إعداد الحلقة.. ثم جاء على أغنيات عبد الوهاب، وخصّ عبد الحليم بعدد من الملاحظات الساخرة حيناً والغاضبة حيناً، فالأبله عبد الحليم حسب تعبيره غنى حبيبها لست وحدك، لكامل الشناوي، وهو لم يذكر الكاتب، ومن ثم وقف عند (حلو وكذاب) وأدانها إذ كيف يمكن للكذّاب أن يكون حلواً؟! ووقف عند لست قلبي، ورأى أن عبد الحليم كافر بالذات الإلهية بقوله (قدر أحمق الخطا سحقت هامتي خطاه) وهذه الفكرة ليس هو صاحبها على وجه الحقيقة فقد أثيرت مذ ظهرت أغنية لست قلبي، وأطفئت بشهادات العلماء، ووقف عند أغنية تقول: (الزمن قاسي)، واعتبرها أنها شتم للذات الإلهية، وذلك اعتماداً على قول (لا تسبوا الزمن فأنا الزمن، ولا تسبوا الدهر فأنا الدهر) وطبعاً الدكتور لم يذكر القول، لكن وارد في الأثر الإسلامي والتراثي، وأعرف أن المعترضين على (لست قلبي) اعترضوا من هذا الباب، فلا يحق للإنسان أن يتذمر أو يشكو من الزمن أو الدهر أو القدر أو أي كلمة تدل على القضاء والقدر برأيهم لأنه يكون شاتماً للذات الإلهية، متعرضاً لله وكافراً!
لن أناقش فكرة هذا الجليل الذي لم يتنبه إلى حياة الناس البسطاء ومآسيهم! ولن أتوقف عند سخف المناقشة حول الزمن والقدر في وقت يسحق فيه الناس سحقاً من الفقر والعوز دون أن يحرك ساكناً هو وأمثاله، إلا دعوة الناس للصبر على الزمن، وللصبر على الدهر!
رحم الله المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي الذي ذكر أن أسوأ ما يقابله المؤمن في حياته «الدنيا سجن المؤمن» وأمثالها من الأقوال التي تثبط العزائم، وتجعل المؤمن ضعيفاً، وكل ذلك برأي الكواكبي جاء من علماء السلاطين الذين يزينون له كل شيء، ويقنعون العامة بكل شيء.
وأجمل ما وقف عنده الدكتور العالم «أنضو الثوب عني» رباعيات الخيام، ولنلاحظ رباعيات عمر الخيام، وقصيدة (لست أدري) لإيليا أبو ماضي «وأبصرت قدامي طريقاً» ورأى فيهما كفراً لأنهما تريان أن الإنسان لا يعرف سبب مجيئه إلى الحياة!
هنا تدخل المذيع وقد التقطها!
إنهم ملاحدة.
رد الدكتور: الله ينور عليك «شيوعيون»
عمر الخيام كان شيوعياً وقابل لينين وإنجلز قبل ولادتهما!
عمر الخيام العالم والرياضي والصوفي هم أكثر خوفاً من الله منه!
إيليا أبو ماضي شيوعي!
وفايزة أحمد «ويما القمر عالباب» عبد الرحيم منصور، عبد الرحمن الأبنودي، محمد عبد الوهاب كلهم ملاحدة شيوعيون!
اتقوا الله الذي تتحدثون باسمه، فالشباب الذين يتابعون لقاءكم لا يعرفون الشعراء ولا ذلك الزمن، وأنتم لا تذكرون الأسماء والنصوص، وكل ما يحدث أن كلامكم سيجد آذاناً صاغية من مجموع لا يعرف شيئاً مما تتحدثون عنه.
ربما تكون المرحلة المقبلة في تكفير المنشاوي والطبلاوي والحصري وعبد الباسط لأنهم جوّدوا القرآن الكريم بأصوات حسنة!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن