ثقافة وفن

مجد إبراهيم (أنا متمرّد بحدود.. غايتي تعديل اللوحة وتجميلها لا تحطيمها)

| ثناء خضر السالم

يعتمد الشاعر مجد إبراهيم بأسلوبه الشعري، الكوميديا السوداء في عرضه موضوعات شعره المتعدّدة، بأسلوب ساخر ناقد لاذع يوقع ديوانين له فنجد الحكمة والذكاء اللغوي والدهشة، قد تنتصر الفكرة أمام الصور ويحيلنا الإيقاع إلى دهشة الشعر. لغة سلسة تكشف عن ذائقة في انتقاء الكلمات، ونجده يقلب الحدث في القصص التي يسوقها من تراثنا مغادراً المألوف مشيراً إلى ما يجب أن يكون..

ففي مقطع مناصر الفقراء يفضح المدّعين الرحمة بالفقراء
أصبحتُ بديناً
منفوخ الجسم
كبالون هواء
لا أعرفكم لكن آكل
باسم جميع الفقراء
وفي مقاربة الدرب والجسر يعرّي من هو ممتلئ بالعيوب وينتقد غيره يقول:
قال الدّرب المتكبّر
للجسر: أنا أطول منك
فتبسّم ذاك الجسر وقال:
كلانا مدعوس يُعبر.
ويعلن ثورة على الآباء مصيرها الفوز بالحرية لو تمّت هذه الثورة، يقول:
لا، لن ألبس جلباب أبي
إذ ضاق كثيراً
مثل قيود الروح العربية
لو أقدر مزّقتُ
جلابيب الآباء جميعاً
كي أكتب أوّل حرف
في ديوان الحرية

1- تعتمد في ديوانيك الأوّل والثّاني أسلوب النقد الاجتماعيّ اللاذع السّاخر من الواقع؟

– السّخريّة آلية لتفريغ المشاعر السّلبيّة وتجميل الآلام، ومعبر لجعل الآخر يتقبّل الفِكَر الإشكاليّة، ومجموع هؤلاء الآخرين يشكّلون المجتمع، فاعتماد النّقد السّاخر لمشكلات هذا المجتمع يشكّل صدمة له توقظه من سباته أو على الأقلّ تجعله يتململ قليلاً في رقدته، وفي النّهاية يحدُث تغيُّر ما.

2- للسخرية في شِعرك أنواع: سخرية الألم، سخرية القدر، سخرية العاجز، سخرية الثّائر، والسخرية ممن يستحقّ السّخرية.

– لم أفكّر قطّ في تقسيم السّخريّة إلى أنواع، ولكنّها في جميع أنواعها عندي تسعى لتحقيق تغيير ما، والكوميديا السّوداء (المضحك المبكي) غالبة على ما أكتبه، وأنا لا أسخر من أشخاص بقدر ما أسخر من صفات يحملونها، فالغاية تغيير الصّفة لا إهانة الموصوف بها.

3- لا تهتمّ لأمر النّقّاد كما ذكرت في مقدّمة ديوانك ملهاة الظلام.

– النّاقد مهمّ جدّاً، ولكن ما أقرؤه من نقد لا يعدو كونه مديحاً أو هجاء، وهؤلاء المدّاحون الهجّاؤون هم الذين لا أهتمّ لأمرهم

4- ناقم أنت وثائر.

– النّقمة فيها معنى الاستمراريّة الشّعوريّة السّلبيّة، لذلك أفضّل أن أقول: أنا غاضب، فالغضب ليس مستمرّاً، وأقول: أنا متمرّد بحدود، ولستُ ثائراً ولا ثوريّاً بالمعنى الفوضويّ، فغايتي تعديل اللوحة وتجميلها لا تحطيمها

5- ما الذي تعول عليه في كونك شاعراً؟ أهو التطهير من الألم والتفريغ مثلاً؟

– نظرية التّطهير عند أرسطو خلاصتها (نعرض الشّر لنتجنّبه)، لذلك أعوّل على إحداث صدمة ولو خفيفة عند المتلقّي تجعله يقتنع أوّلاً بأنّ ما أعرضه من نقد في شعري هو نقد للشرّ والخطأ، وثانياً يبدأ بالعمل على تجنُّبه، باختصار ما زلت أعوّل على وعي المتلقّي وألمه الذي يتغلغل في داخله ليتطهّر، ويفرّغ مشاعره السّلبيّة، بمعنى أنّي غُراب فاضل يدلّه على خرابه ليبدأ بالإعمار.

6 – لا يخلو شعرك من رمزيّة مثل استخدام رمز حمار وأتان وووو.
لندع الرّمزيّة كمذهب أدبيّ وفنّي جانباً، ونتحدّث عن الرّمز..! الرّمز وسيلة مراوغة تقينا خطر المحاسبة عندما يكون سقف الحرّيّة الإبداعيّة قليل الارتفاع، واللجوء إلى تشخيص الحيوانات قديم نجده في كتاب كليلة ودمنة الذي يبدو أنّه في معظمه مأخوذ من كتاب الأسفار الخمسة (البنجاتنترا) الهنديّ، إضافةً إلى أنّنا نعتمد الرّمز كوسيلة تعليميّة، وأخيراً وسيلة للمتعة الفنّيّة..

7- هل يمكننا إيقاف المهزلة الفيسبوكية والشّهادات الافتراضيّة الممنوحة لمن لا يمتّون إلى الأدب بصلة.

– الفيسبوك فضاء حرّ إلى درجة الفوضى تساوى فيه العالم والجاهل من حيث فرصة طرح الأفكار، وصار الجميع يستسهل الكتابة، والكثيرون غايتهم الشّهرة ودخول عالم الإبداع، لكنّ المشكلة أنّهم يقتنعون بكونهم صاروا مبدعين، ولا يستطيع أحد تغيير هذه القناعة لديهم، وأنا لا أنصّب نفسي حكماً يفصل في قضايا الإبداع هنا، ولكن أصف ما أراه، وأشدّ ما يؤسفني هو المجاملة التي تصل إلى حدّ النّفاق، فكم من مبدع حقيقيّ يجامل أنثى جميلة لا علاقة لها بالإبداع، أو يجامل صاحب نفوذ يتسلّق على الإبداع، وعموماً هناك استسهال للكتابة، فـ (الشّعراء) كثيرون، و(الرّوائيّون) كثيرون، ولكن لا نجد أحداً يتجرّأ على تقديم نفسه كعالم ذرّة مثلاً إن لم يكن كذلك، خلاصة الكلام: هذه الظّاهرة من الصّعب إيقافها، ولكنّ الزّمن غربال جيّد.

8- بعض الكتاب عاشوا الحرب ولم يكتبوا عنها حرفاً وبعضهم تغلغلت في بعض منجزهم. ماذا عنك؟

– كتبتُ عن الحرب قبل حدوثها، بمعنى أنّني كتبتُ عن إرهاصاتها، وهذا تجدينه في أوّل ديوانين لي، أمّا ما كتبتُه خلال الحرب فلم أنشره في ديوان شعريّ بعد، فهناك عدة قصائد لي من شعر التفعيلة، بينها قصيدة «تقرير حنظلة» التي نُشرت في ملحق جريدة الثّورة الرّسميّة بعد بدء الأزمة بقليل، وهذه القصيدة عكستُ فيها ما في داخلي على الخارج الذي تدور فيه الحوادث، إضافة إلى قصيدة «تحليق اضطراري» وقصيدة «حفنة من رمال الصمت»، وهاتان القصيدتان هما انعكاس للخارج على داخلي، ثمّ تتالت القصائد حتّى صارت ديواناً ما زال مخطوطاً بعنوان (أنا هنا جميعاً)، باختصار كتابتي عن الحرب تتناول الجانب الإنسانيّ بعيداً عن الاصطفافات السّياسيّة الحادّة، وأزعم أنّ ما كتبتُه عن الحرب مقبول عند جميع السّوريّين.

9- ديوانك الثّالث جاء مختلفاً عن الدّيوانين السّابقين، فهو غزليّ بمعنى أنّ المرأة وتحديداً الحبيبة شغلت كلّ الدّيوان؟

– المرأة حاضرة دائماً حضوراً إنسانيّاً عامّاً في كتاباتيّ، ولكنّ ديواني الثّالث (دندنات عارية) كان صلاةً أمام الحبيبة الأنثى، وجاء وجدانيّاً محلّقاً، بينما الدّيوانان السّابقان طغت عليهما شعريّة الفكرة والاندفاع وسط الزّحام والضّجيج، ولكلّ جماله.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن