قضايا وآراء

العلاقات الكردية الإسرائيلية.. وهم أم حقيقة؟

| أحمد ضيف الله

تعتقد القيادات الكردية عموماً، والبارزانيون في إقليم كردستان على وجه الخصوص، أن الدور الذي لعبوه في قتال تنظيم داعش يتطلّب تقديراً وعرفاناً لهم من الدول الغربية. ومن هذا المرتكز، أُقيم استفتاء الانفصال عن العراق في الـ25 من أيلول 2017 في إقليم كردستان والمناطق المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك الغنية بالنفط التي كانت وحدات البيشمركة الكردية قد سيطرت عليها عندما كان الجيش العراقي وقواه الأمنية منشغلان في قتال داعش.
في الأجواء الاحتفالية والتحضيرية لاستفتاء الانفصال الذي غطته الفضائيات الكردية آنذاك، وقف إلى جانب القيادات الكردية على منصات الخطابة، وشارك معهم في جميع المواقع الاحتفالية، عدد من السفراء ورؤساء الفعاليات الدبلوماسية الأجنبية السابقين، ذوو الميول الصهيونية، من بينهم: وزير خارجية فرنسا السابق برنار كوشنر، والإعلامي الإسرائيلي ايدي كوهين، والكاتب الفرنسي اليهودي بيرنار هنري ليفي، والسفير الأميركي الأسبق في كرواتيا وأحد مساعدي بول بريمر الحاكم المدني الأميركي السابق للعراق، بيتر غولبرايث، والسفير الأميركي الأسبق في بغداد خليل زلماي زاده، حيث رفعت الأعلام الإسرائيلية بالساحات بالمئات إلى جانب علم إقليم كردستان والإعلام الكردية! وفي الوقت ذاته رفعت أيضاً الأعلام الكردية إلى جانب علم إسرائيل بكثافة ملفتة في التظاهرات الداعمة والمؤيدة للاستفتاء الذي نظمته الجاليات الكردية في الدانمارك وجنيف وألمانيا وبروكسل! وما زالت الفيديوهات التي توثق ذلك موجودة على اليوتيوب حتى اللحظة.
وزيرة العدل الإسرائيلية إيليت شاكيد أعلنت خلال مؤتمر في تل أبيب في الـ12 من أيلول 2017، أن «إسرائيل ودول الغرب لديها مصلحة كبيرة في إقامة دولة كردستان، والوقت قد حان كي تقوم الولايات المتحدة بدعم هذه العملية»، كما أرسل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المراسلين الأجانب في اليوم التالي تصريحاً جاء فيه: «تؤيد إسرائيل جهود الشعب الكردي المشروعة لقيام دولته»، وفي الوقت ذاته كرست مجلة «إسرائيل كورد» التي تصدر باللغة الكردية في إسرائيل، والمموّلة من قبل الموساد والمعهد الإسرائيلي للاستخبارات والعمليات الخاصة، ومن الأسرة البارزانية، معظم صفحاتها خلال تلك الفترة بالدعاية للاستفتاء وأهمية التحالف الكردي الإسرائيلي.
بالمقابل، قال قائد قوات البيشمركة سيروان البارزاني في حديث إلى وكالة «نوفوستي» الروسية في الـ25 من أيلول 2017: إن أربيل «لن تنسى أولئك الذين قدموا لنا دعماً جدياً، ومن بينهم إسرائيل، فدعمها سياسي ومعنوي، ونحن ممتنون لرئيس الوزراء الإسرائيلي على هذه المساعدة».
القيادات الكردية في إقليم كردستان كانوا يعولون على أن المجتمع الدولي الرافض لتوقيت استفتائهم، سوف يخضع في النهاية للأمر الواقع، إلا أن هذه الدول تنكرت جميعها لهذا الاستفتاء، ولم تؤيده إلا دولة واحدة هي إسرائيل.
في الـ13 من نيسان 2021، أعلنت وسائل إعلام إيرانية أن مجموعة مجهولة الهوية قامت باستهداف مركز معلومات وعمليات خاصة تابع للموساد الإسرائيلي في إقليم كردستان، أدت إلى مقتل 3 ضباط إسرائيليين، هم: منحانين نوعا، وعكيفا عامي، وبيربر جكيوب، وجرح 7 آخرين، مشيرة إلى وجود تفاصيل إضافية عن العملية سيتم نشرها لاحقاً، إلا أن المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان جوتيار عادل، نفى في بيان صحفي ذلك، مشيراً إلى أن «هذه ليست المرة الأولى التي يُتهم فيها الإقليم بوجود مركز خاص بالمخابرات الإسرائيلية على أراضيه»!
بغض النظر عن مدى دقة خبر استهداف مقر الموساد الإسرائيلي في أربيل، فإنه ليس خافياً، أن إسرائيل تقيم روابط عسكرية واستخباراتية وتجارية مع الأكراد منذ ستينات القرن الماضي وإلى الآن، حيث ترى إسرائيل أنه من المهم توظيف الأكراد في العراق وتركيا وسورية وإيران، ليلعبوا دوراً مؤثراً في إزعاج العرب وإلهائهم عنها، إضافة إلى أن الوجود الإسرائيلي قد تعاظم في إقليم كردستان منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، حيث يؤكد ممثل الجالية اليهودية في إقليم كردستان شيرزاد مامساني، في حديث لـ«راديو سوا» في الـ2 من أيلول 2017، أن «العائلات اليهودية فضلت العودة إلى كردستان من أجل الممتلكات والأقارب»! بعد أن «نجحت المساعي في تشريع قانون يحمي حقوق الأقليات»، وأن «ممثلية اليهود في إقليم كردستان تعمل على استرجاع حقوق اليهود التي سلبت منهم»!
إن تعقيب المتحدث الرسمي باسم حكومة إقليم كردستان جوتيار عادل على استهداف الموقع الإسرائيلي في إقليم كردستان، والقول إن الغاية من «نشر تقارير كهذه، هو استهداف تآمري واضح ضد الإقليم وعمليته السياسية»، لا قيمة ولا معنى له.
إن انكار العلاقات الكردية مع إسرائيل المستمرة منذ ستينيات القرض الماضي، هي حقيقة معروفة وليست وهماً.. «وإن كنت ناسي أفكرك».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن