سورية

تدخلات واشنطن الدموية في سورية … فوضى وإرهاب وخطر على الشرعية الدولية

| الوطن

من المفارقة العجيبة أن الولايات المتحدة التي شنت حرب استقلال ضد المستعمر البريطاني ونالت استقلالها عنه في عام 1776، أمضت جُلَ حداثة نشأتها كدولة منذ ذلك التاريخ في سلسلة من الحروب سواء ضد جيرانها في القارة الأميركية، أم ضد دول في قارات أخرى، فمن أصل 245 عاماً من عمر الولايات المتحدة، دخلت هذه الدولة في الحروب على مدى 222 عاماً من عمرها، وكذلك التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى تبعد عنها آلاف الكيلومترات، ومنها سورية التي طالها سجل الولايات المتحدة الدموي الطويل.
الأحداث والوقائع التي لا يرقى إليها أي شك مثل وثائق ويكيليكس وايميلات وزيرة الخارجية الأميركية الأسبق هيلاري كلينتون وشهادات الجنرال الأميركي المتقاعد والقائد السابق لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ويسلي كلارك، ووزير الخارجية الفرنسي رولان دوما ومذكرات الرؤساء الأميركيين السابقين ومنها مذكرات الرئيس باراك أوباما، أثبتت ضلوع أميركا في رعاية حرب إرهابية غير مسبوقة على سورية، حرب مبنية على مشروع تخريبي تدميري للنسيج الاجتماعي والسياسي للدول العربية لاسيما سورية، وهو مشروع خبيث بَدَأ بالغزو الأميركي البريطاني للعراق لتفتيت المنطقة، بهدف تكريس مفهوم الاحتلال العسكري لمنطقتنا وتطويع شعوبها بما يكرس القضاء على القضية الفلسطينية وتأمين هيمنة إسرائيل ومشروعها الصهيوني على مقدرات المنطقة.
المشروع «الأميركي الإسرائيلي»، لم يكمل طريقه ليصطدم برفض قاطع من سورية، تجلّى بداية برفض الشروط التي حملها وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول إلى سورية في عام 2003، لتصبح ومنذ ذلك التاريخ سورية هدفاً استراتيجياً للسياسة الأميركية التدخلية، لتطويع قرارها السيادي وضمها إلى محور الاستسلام والخنوع.
تجليات الاستهداف الأميركي، برزت في السعي المحموم لضرب محور المقاومة والعدوان الإسرائيلي على لبنان في عام 2006، وصولاً إلى ما تم اختلاقه تحت مصطلح «الربيع العربي»، حيث نجح هذا المشروع في بعض الدول العربية، لكنه أخفق أمام أسوار دمشق، وعند ذاك انتقل المشروع الأميركي من مرحلة العدوان غير المباشر إلى مرحلة العدوان المباشر، متمظهراً في استنباط أشكال جديدة من التحركات لزعزعة وتقويض استقرار سورية.
عتاة مخططي هذا المشروع الخبيث اعتقدوا بإمكانية توظيف أدواتهم القذرة المحلية والإقليمية والدولية لإدخال سورية في متاهة الفوضى التي كانوا قد أحدثوها في العديد من الدول العربية الأخرى، لتصمد سورية مرة جديدة وتفشل هذا التحرك، وتنتقل مخابر التدخل الأميركي بعدها إلى استنباط شكل جديد من العدوان، تمثل بابتداع الإرهاب الداعشي في سجن «بوكا» الأميركي في العراق، كسلاح لتنفيذ أجندتها الدموية في سورية والعراق.
الوقاحة الأميركية والمستعينة ببعض المنابر العربية والإقليمية، بلغت مبلغاً غير مسبوق، تمثّل في تجنيد وتدريب وتسليح عشرات الآلاف من شراذم الإرهاب في زوايا الأرض الأربع، ثم تسريبهم عبر الحدود المشتركة مع تركيا إلى الداخل السوري، لا بل أطلقت على هؤلاء الرعاع اسم «المعارضة السورية المعتدلة المسلحة»، وأنشأت غرف عمليات عسكرية مثل غرفتي «الموك» و«الموم» لدعمهم.
لم تكتف الإدارة الأميركية بكل هذا السجل الدموي التخريبي، فلجأت إلى التدخل العسكري المباشر بذريعة محاربة إرهاب ابتدعته هي، فشكلت ما يسمى «التحالف الدولي» الذي يضم في صفوفه كل عملاء أميركا في العالم، وبدأت بقصف البنية التحتية السورية، وصولاً إلى الاحتلال العسكري المباشر لمنطقة الجزيرة السورية، وإنشائها ورعايتها لميليشيات انفصالية، ونهبها وسرقتها لثروات الشعب السوري الطبيعية من نفط وغاز وقمح وآثار.
الإدارة الأميركية لم تتوقف عن تجاوزاتها وانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإنساني، فعمدت إلى رفع سقف عدوانها بفرضها إجراءات قسرية أحادية الجانب، شملت كل القطاعات الاقتصادية والمالية والطبية والغذائية، تحت مسميات خادعة مثل «قانون قيصر»، وهي إجراءات اعتبرتها منظمة الأمم المتحدة غير شرعية، وطالبت برفعها، وبرز ذلك من خلال النداء الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة في الـ23 من شهر آذار من العام الفائت، أو عبر سلسلة من القرارات التي تعتمدها الجمعية العامة سنوياً، من دون أن يغيب عن ذهن أحد بأن القانون الدولي، يَحظُر بشكلٍ لا لِبسَ فيه، الاحتلال العسكري والعدوان وأعمال النهب والسرقة والاستيلاء على ثروات دول من قبل دول أخرى، وذلك استناداً لأحكام قوانين لاهاي، وأعراف الحرب لعام 1907 ولاتفاقيات جنيف الأربع.
الأنكى من ذلك أن ساسة واشنطن لا يجدون غضاضة في الانقلاب على تعهداتهم والتزاماتهم، إزاء قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالوضع في سورية، وهي بالعشرات، وتؤكد جميعها على التزام مجلس الأمن، ومن بين أعضائه الدائمين الولايات المتحدة، بالحفاظ على سيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها السياسي ووحدة أراضيها.
الولايات المتحدة دأبت على سرقة موارد السوريين الأولية، ونقلها عبر الحدود مع دول جوار سورية بكل صفاقة ولامبالاة، بما يظهرها على حقيقتها كاللصوص، يشبهون رعاة البقر في الغرب الأميركي، الذين كانوا يسرقون الماشية من السكان الأصليين، الأمر الذي نجم عنه مفاقمة الصعوبات المعيشية والحياتية للشعب السوري وحرمانه من حقه في الاستفادة من ثرواته الطبيعية.
سلوك الولايات المتحدة في سورية، الخارج عن القانون الدولي، يستحق الإدانة والمساءلة عليه من جانب المجتمع الدولي، وهو لم يطلها فحسب بل شمل دولاً عديدة من بينها كوبا وإيران ونيكاراغوا وفنزويلا وبيلاروس وكوريا الديمقراطية وبوليفيا وصولاً إلى الصين وروسيا.
سورية التي حمّلت الإدارة الأميركية مسؤولية تصحيح سياساتها الإجرامية بحق شعبها فوراً، وطالبتها بالتعويض عن الأضرار الجسيمة والخسائر الباهظة التي ألحقها عدوانها واحتلالها بحق شعبها، ما زالت تحث المجتمع الدولي والشرعية الدولية على الوقوف بقوة معاً، لردع هذا الاستهتار الأميركي بالقانون الدولي وبحقوق الشعوب وثرواتها، وهي ما زالت تحذّر أيضاً من أن التساهل معها سيؤدي إلى مزيدٍ من الفوضى في العلاقات الدولية، وبالعودة بها إلى عهد عصبة الأمم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن