اقتصاد

المدير هل هو: خياط مديون أم عبقري!

| د. سعـد بساطة

لكل فريق عـمل ضمن مؤسسة ما؛ يوجد رئيس: من أهم واجبات هذا المدير تفصيل المهام وإسنادها لمن يتناسب معـها من العـاملين؛ فالموظف المتحدث (المسحوب من لسانه) يصلح للعـلاقات العـامة وللتسويق؛ أما الهادئ المفكر؛ فإلى قسم الدراسات.. ووضع الشخص المناسب في مكانه ؛ يرفع الشركة؛ أما العـكس: وضع الهادئ في احتكاك مع الزبائـن؛ وصاحب العـلاقات العـامة في قسم التخطيط يفشـّل الأداء؛ ويهبط بالشركة؛ ويحيل جو العـمل إلى جحيم!
فكأن المدير هو خياط يقوم بتفصيل المهام؛ ولدينا مثالان – عـلى الأقل- حول ظاهرتين من المديرين/ الخياطين!
أذكر أني قرأت قصة طريفة لتشيكوف عن خياط فقير جاءه جنرال مهم جداً وطلب منه أن يفصل له بذلة أنيقة، وأمره بأن يبتاع هو القماش ويكلف كل شيء، فأجره سيكون سخياً.
استدان صاحبنا وابتاع لوازم بدلة الجنرال، وراح يعمل ليلاً ونهاراً وهو يحلم، حتى صنع البدلة وحملها للجنرال.
الآن جاء دور محاولاته الذليلة للحصول على أجره، لا جدوى.. في كل مرة يطرد أو يزعم سكرتير الجنرال أن سيده متغيب، بعد شهرين وجد الجنرال خارجاً من حانة وهو يلبس البدلة نفسها. لقد اتسخت وتمزقت وبلّلها الخمر، فقال لزوجته: «لو أن أي شخص حقير منحط مثلنا لديه هذه البدلة لعاملها كأنها شيء ديني مقدس، لكن هذا الجنرال ابن عز وبوسعه أن يتلف بدلتين كل يوم». ثم ذهب للجنرال وطلب منه في خجل أن يدفع له ماله، هنا أطلق الجنرال السباب: «أنت أفسدت مزاجي أيها القذر!»، ووجه صفعة له ثم ركله في مؤخرته بعنف.
هذا مثال عـلى المدير الضائع في دوامات من هو أعلى منه (بين مهام جسام وأداء هزيل)!
ومثال آخر نقيض الأول: حيث رغـب شخص أن يخيط بدلة من قطعة قماش ثمينة أهديت له، فذهب إلى خياط وسلّمه إياها، نظر الخياط للرجل، ومن دون أن يأخذ القياسات قال له:
• تعود بعد ساعة لاستلام بدلتك!
اندهش الرجل وتساءل عن القياسات، فقال الخياط:
• الخياطون المبتدئون هم الذين يأخذون القياسات؛ ويعملون بروفة… كما قلت: عـد بعد ساعة وخذ بذلتك.
عاد الرجل بعد ساعة ولبس البدلة الجديدة، فإذا هناك كمّ أطول من كم، وسحاب البنطال أعوج، والأزرار لا تلتقي مع الثقوب التي هي أصلاً أصغر أو أكبر من الزر… كفة البنطلون اليسرى ملوية… وهكذا.
رمق الخياط الزبون وقال:
• اطعج حالك هيك… خلي رقبتك لليسار… افكح رجلك اليمين، انفخ صدرك.. خلي كوعك أفقي… وقف على رجلك اليسار….. أيوه هيك تمام… البدلة عـلى قياسك ألف مبروك.
كان الخياط مفتول العضلات ومتجهماً وعـصبي المزاج، فلم ينبس الزبون ببنت شفة، خوفاً من سوء العاقبة.
خرج الرجل بهذه الحالة المزرية وهو يفكح ويعرج ويطعج رقبته ويلوي يده حتى يتناسب مع تفصيل البدلة، فشاهده الناس.
قال الأول: شوف الزلمه كيف شكله مطعوج!
فعـلـّق الثاني: – أنا اللي عاجبني الخياط العبقري اللي عمل له بدلة عـلى كسمه بالضبط.
نحن أبناء هذه البقعة العملاقة المحشورة بين المحيط والخليج، نحن نمشي بطريقة الرجل ذاتها تقريباً مع بعض الاختلافات من مؤسسة (إنتاجية أو خدمية) إلى أخرى ومن خياط لآخر، اختلافات اقتضتها طبيعة الشركة الجغرافية والثقافية، لكننا نتشابه كثيراً…
وبعـد…. نحن بنستاهل!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن