قضايا وآراء

إسرائيل وخططها المقبلة على هذه الأمة

| تحسين الحلبي

يبدو أن بعض الساسة العرب لا يدركون أو لا يصدقون أن إسرائيل أعدت مطالب لا تنتهي لمن يوّقع معها على اتفاقية تسوية أو كما تطلق عليها «اتفاقية سلام»، ويلاحظ الجميع دون براهين كثيرة أن كل دولة توّقع معها على هذه الاتفاقية ستعد لها مطالب أصبحت واضحة، وقد قامت السودان أخيراً بتلبية المطلب الإسرائيلي بإلغاء قوانين مقاطعة إسرائيل المتخذة في الجامعة العربية بالإجماع، ولن تكتفي بذلك ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية فرضت إسرائيل على ألمانيا وكل الدول الأوروبية التي أقامت معها علاقات دبلوماسية شروطاً ومطالب كان من بينها أن تقوم الدولة الألمانية وكل دولة أوروبية تحالفت معها في تلك الحرب بدفع تعويضات مالية منتظمة عن أموال اليهود والأضرار التي لحقت بهم، ومنعت جميع اليهود من أصل ألماني الذين جرى تهجيرهم بالقوة والإكراه إلى فلسطين في عام 1946–1947 من المطالبة بالتعويض الفردي عن ممتلكاتهم في وطنهم الأوروبي بل طالبت بتحويله إلى الدولة لكي تنفقه على الجيش وهو ما سوف تفرضه على كل دولة عربية أقام فيها اليهود في المنطقة.
كما فرضت على الدول الأوروبية أن تعتمد رسمياً الرقم الذي وضعته الحركة الصهيونية وإسرائيل لعدد اليهود الذين قتلوا في تلك الحرب وهو «ستة ملايين يهودي»، وطالبت بوضع قانون يمنع التداول في الكتب والأخبار والروايات ودُور النشر بأي رقم مخالف بل محاكمة من يتداول بهذا الرقم في كتاب أو بحث وزعه أو تصريح أطلقه ونفذت بعض الدول قانون العقوبات الخاص بهذا الموضوع وأصدرت بعض المحاكم أحكاماً بالحبس على عدد من المفكرين ورجال الأبحاث الأوروبيين بتهمة التنكر «للمحرقة وعدد القتلى اليهود الناجم عنها»، وفرضت معاقبة كل من يتنكر لوجود «المحرقة» وأدانته بمعاداة اليهود تحت مبرر «معاداة السامية كما فرضت إسرائيل على جميع الدول الأوروبية الاعتراف بالحركة الصهيونية الاستيطانية الاستعمارية كحركة تحرر وطني استعاد اليهود بفضلها وطنهم من العرب المحتلين»؟!
وكانت المجلة الإلكترونية اليهودية الأميركية «جويش نيوز سينديكيت» قد نشرت تحليلاً في 20 نيسان الجاري استشهدت فيه بما كتبه روبرت ساتلوف مدير «معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى» قبل أيام وجاء فيه: إن «أعمدة التنكر العربي للمحرقة والملايين الستة من ضحاياها اليهود بدأت تنهار في العالم العربي».
وتشير المجلة إلى أن مملكة المغرب سارعت الآن إلى التنديد بكل من ينكر «المحرقة وملايينها الستة»، ويرى ساتلوف أن ذلك سيشجع المغرب على فرض عقوبات على غرار أوروبا ضد كل من ينكر ذلك.
ومع ذلك يلاحظ ساتلوف أنه سيكون من الصعب على الفلسطينيين التجاوب مع هذا المطلب لأنهم تعودوا على إطلاق صفة النازيين على المستوطنين وعلى الجيش الإسرائيلي، ويبدو أن إسرائيل ستتعين عليها مطالبة بعض الدول العربية بفرض التجاوب مع الشروط الإسرائيلية حول هذا الموضوع.
السؤال المطروح أمام كل هذه المطالب هل سيقبل الفلسطينيون ومعهم العرب بمثل هذه المطالب ويعدون الحركة الصهيونية كما تعدها إسرائيل وأميركا وأوروبا، أم إنهم سيستمرون بالتنديد بها وبوصفها بالحركة العنصرية التي ارتكبت مذابح ضد الفلسطينيين لتهجيرهم من وطنهم وممتلكاتهم في فلسطين؟ لا أحد يشك بأن كل فلسطيني وكل عربي بل كل مسلم في هذا العالم لا يمكن أن يقبل بالتخلي عن هذا الوطن وضرورة استعادة الحقوق الوطنية الشرعية للفلسطينيين.
ومن الواضح أن هدف هذه المطالب هو إخضاع العرب كل العرب للدفاع عن الفكر الصهيوني وثقافة الصهيونية الاستعمارية ونتائجها على فلسطين والقدس وهذه الأمة ومحو كل الثقافة القومية العربية التي حملتها هذه الأمة لتحويل شعوبها إلى خدم لأخطر عنصرية استعمارية في التاريخ البشري كله، ولذلك لا أحد يمكنه الاعتقاد بأن المعركة أو المعارك مع إسرائيل ستنتهي باتفاق تسوية تفرضها الولايات المتحدة والصهيونية بين إسرائيل وهذه الدولة أو تلك فلن يقبل جيلنا ولا الأجيال القادمة بالانصياع لهذه المطالب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن