لا يتوقف السياسيون الغربيون عن المكابرة بشأن خلاصات ونتائج حربهم الفاشية على سورية، دولة وشعباً، وبالطبع فإن مصطلح الغرب مجازي هنا، ذلك أن هناك دولاً أوروبية عديدة لا تتفق مع مقاربات المفوضية الأوروبية التي أصدرها جوزيف بوريل قبل فترة، والتي لا تزال تبني آمالاً وأوهاماً على انكسار الإرادة السورية التي مازالت صلبة وقوية، على الرغم من مضي عشر سنوات بالتمام والكمال على أكثر الحروب قذارة وفاشية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
يكتب أحد الخبراء العرب أن عدد الأكاذيب التي أطلقتها أجهزة الدعاية الغربية طوال فترة الحرب على سورية، ويحدد السنوات الثلاث الأولى، أنها تفوق تلك التي أطلقتها تلك الأجهزة طوال الحرب العالمية الثانية 1939-1945، فالحرب على سورية مورست فيها أكاذيب فظيعة، واستخدمت فيها إمبراطوريات إعلامية، وجُند فيها آلاف الصحفيين بمختلف اللغات لتشويه الحقائق، وبث الأكاذيب لإخفاء حقيقة ما يجري، وبالكاد كنا نقرأ بعض المقالات الموضوعية في هذا الموقع الإلكتروني أو تلك الصحيفة الغربية، والطريف في الأمر كما يكتب الراحل روبرت فيسك في «الإندبندنت» البريطانية عام 2012: «إن دولاً مثل قطر والسعودية، تدعمان الديمقراطية في سورية، بينما هي مفقودة في بلدانها» ليتساءل: «أي ديمقراطية وحرية، تلك التي جلبناها في العراق»؟
إن السبب الرئيس لهذه المكابرة الغربية المستمرة تكمن في «الأسد فوبيا» ذلك أن السيناريوهات كلها التي وضعت من قبل قوى العدوان الفاشي، قامت على أساس أن سقوط النظام السياسي، والرئيس لن يأخذ أكثر من ستة أشهر، وهذه التقديرات استندت إلى حجم الأموال المرصودة، والأكاذيب المعدّة، والحدود المفتوحة، والإعلام الذي يبث كل يوم 15 ساعة عن سورية، والسلاح والقتلة الذين تدفقوا إلى سورية، وغرف العمليات في الشمال والجنوب، والدبلوماسية الضاغطة، والأكاذيب الملفقة، ومع ذلك كله صمدت سورية، ورئيسها، وجيشها عشر سنوات، جعلت القوى الغربية تحار في البحث عن مكنونات وأسرار هذا الصمود الغريب، وعوامله، وأسبابه، ذلك أن السفير الأميركي السابق بدمشق روبيرت فورد اعترف بالهزيمة الأميركية والغربية في سورية، وما يجري الآن هو محاولة تجريب الحرب الاقتصادية المعقدة على قوت الناس، ولقمة عيشهم، علّها تنجح في كسر الإرادة التي أذهلتهم طوال عشر سنوات.
«الأسد فوبيا» هي عقدة الغرب المستمرة، إذ كيف لهذه الدول ومؤسساتها وإعلامها وأموالها وأكاذيبها، أن تتراجع عن حملة الشيطنة التي شنتها مدة سنوات عشر، ماذا ستقول لرأيها العام؟ وبماذا ستبرر تراجعها وهزيمتها؟ ذلك أن أفلام الكذب والنفاق الغربي، والإخواني، والوهابي، والصهيوني، نجحت في تونس ومصر، لفترة، وليبيا وغيرها الكثير من الدول، فلماذا أسقطها الرئيس الأسد وشعبه في سورية؟ هم حائرون، تائهون، ماذا سيفعلون؟ وكيف سيدورون الزوايا، ويجدون المخارج من فضيحة القرن، التي اسمها «الحرب الفاشية على سورية»؟!
إشكالية التفكير الغربي هي مكابرة المتعجرف، الذي لا يفهم حتى الآن أن الأكاذيب انتهت، والأمور انكشفت، والقاعدة وداعش بانت، والخزائن خارت من كثرة الدفع والإنفاق، فإلى أين المآل؟!
يقول أحد النواب الألمان في مجلس مدينة برلين، والذي زار سورية مؤخراً، في تصريح لأحد المواقع الروسية، إن تكلفة اللاجئين السوريين في ألمانيا تصل إلى 20 مليار يورو، يسددها دافع الضرائب الألماني لأناس كثر منهم لا يتقنون الألمانية، وغير قادرين على الاندماج في المجتمع الألماني وقيمه، كما أن الاقتصاد الألماني عام 2015، ليس هو عام 2021 بعد الكورونا، ولذلك فإن مصلحة الألمان هو في البحث عن مخارج وحلول، وليس البقاء في موقع المكابر الذي تكبر أمامه التحديات والمشكلات، دون أن يبحث عن حلول تحقق مصالحه، وليس مصالح الولايات المتحدة.
إن الكثير من الأصوات بدأت تعلو في أوروبا، مطالبة بالبحث عن حلول ومخارج، حيث قال لي أحد الأصدقاء في عاصمة الاتحاد الأوروبي إن أغلبية من نناقشهم من الدبلوماسيين والخبراء ومراكز البحوث، يقرون أن الاستمرار بالمكابرة لن يفيد الأوروبيين، وإنه لابد من البحث عن مخارج، ويشير إلى أن الإشكالية في عقلية القيادات الكبرى في المفوضية الأوروبية، وفي أن الملف السوري بيد الفرنسيين الذين يستخدمون الفيتو ضد أي جهد إيجابي تجاه سورية.
في كل الأحوال إن محاولات التشويش الغربية على إجراء الانتخابات الرئاسية السورية هي محاولات متوقعة، وسوف تستمر، ولكنها سوف «تسلم بما هو مسلم به»، ولن تفيد معنا أسطوانات الكذب حول إجراء الانتخابات في ظروف الحرب، لكن الغريب أن واشنطن قبلت بالانتخابات تحت سلطة احتلالها في أفغانستان والعراق، وباركتها فقط لأنها انتخابات تتفق مع مصالحها، وتأتي بشخصيات «صنع في أميركا»، أما انتخاباتنا فهي غير مرضي عنها، لأنها ستأتي بشخصية وطنية سببت عقدة للغرب، ولم يعد قادراً على التخلص منها.
إن الحملة الإعلامية والنفسية، التي تشنها قوى العدوان الفاشي على سورية منذ عشر سنوات لن تفيد بشيء، والقرار الوطني السوري شعبياً سيكون بالمشاركة القوية والفاعلة في هذه الانتخابات، لأن كل صوت ينزل في صندوق الانتخاب سيكون صفعة في وجه القتلة والمجرمين، وصفعة في وجه الأدوات والعملاء، وصفعة في وجه من مازال يكذب تحت عناوين «الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان»، وصفعة في وجه الإخوان والوهابية، وصفعة في وجه المكابرين الغربيين، وأشباه الرجال ممن سموا أنفسهم «معارضة»، ويعملون بصفة أدوات رخيصة بيد قوى الاحتلال، أو من عواصم بعض الدول الغربية، التي ما زالت تتآمر على بلدهم وشعبهم جهاراً نهاراً.
قبل أيام توفي في باريس أحد المعارضين السوريين «اليساريين الوهابيين»، الذي أقر بقبض 25 مليون دولار من قطر من أجل الثورة! والذي اعتبر جبهة النصرة، أي تنظيم القاعدة في بلاد الشام، من أذرع ثورته، والذين استقبلوه استقبال الأبطال حينما زارهم كما قال في أحد لقاءاته!
وهو نفسه الذي خرج معي في مقابلة على تلفزيون «نيو تي في» اللبناني في أيلول 2013، حيث شعر بسرور بالغ لقرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قصف عاصمة بلاده، وأن الأمر حسم تماماً؟ وآنذاك قلت لمقدم البرنامج: «هذا عضو في حزب الليكود الإسرائيلي، ولا يمكن أن يكون معارضاً سورياً، أكل وشرب وتعلم، واستنشق هواء بلاده، وفي الوقت نفسه يطالب واشنطن والأطلسي بقصف بلاده، وهنا لا يفيد كثيراً التنظير بالماركسية أو الإسلاموية، لكن المهم أين وقفت في هذه الحرب الفاشية الواضحة العلنية على بلدك وشعبك، ولا يهم كثيراً هنا تدبيج المقالات وفزلكتها، ومصطلحاتها، والتنظير علينا، فهذا لا قيمة له عندما تكون مضلِلاً لناسك، وشعبك، تحت عنوان الإصلاح.
في كل الأحوال أنا لست من الذين يشمتون بالموت أبداً، وأحترم الآراء كلها الوطنية الوطنية، أما من يحاسب فلست أنا أو غيري، ولكن عشر سنوات كافية لتحدد من إلى مزابل باريس، ومن إلى المجد في دمشق.
قد يعتقد البعض أن الفقرة الأخيرة مقحمة على المقال، لكن الأمر كله جزء من المكابرة الغربية، التي سحبت خلفها هؤلاء «المعارضين» الذين عاشوا مع معلميهم عقدة «الأسد فوبيا» ومازالوا وسيستمرون، لأن الحماقة أعيت من يداويها.