ثقافة وفن

«350 غرام» يشكل تجربة درامية مشتركة مختلفة شكلاً ومضموناً … للقلب دور في شخصية الإنسان يتجاوز العواطف والمشاعر

| سوسن صيداوي

يتميّز هذا الموسم الرمضاني 2021 بالعديد من الأعمال السورية والتي لفتت النظر منذ الحلقات الأولى، كونها استحوذت على اهتمام المُشاهد من خلال طرح قضايا مختلفة وبعضها الآخر يتقدّم بمواضيع تُطرح للمرة الأولى، من بين هذه الأعمال نقف اليوم عند المسلسل المشترك «350 غرام» للمخرج الأردني محمد لطفي، والذي تدور أحداثه حول محام شهير تنقلب حياته رأساً على عقب بعد خضوعه لعملية زرع قلب.

منعطفات دراميّة وأحداث مشوّقة نتابعها في الحلقات المتتالية يوماً بعد يوم، والتي يجسّد شخصياتها الرئيسية كل من الفنانين: عابد فهد، سلوم حداد، كارين رزق اللـه وغيرهم.

في التفاصيل

بداية لابد من الإشارة إلى أن المسلسل حمل اسم «نبض» ولكن بعد اكتمال النص والتعمّق به من خلال شركة الإنتاج والمخرج والكاتبة، تمّ أخذ القرار بأن يتم تبديل عنوان المسلسل ليحمل اسم «350 غرام» كونه أولاً هو وزن عضلة القلب، وثانياً لأنه الأنسب لطبيعة الأحداث والتطورات التي تسردها حدوتة المسلسل، الذي يخرجه محمد لطفي، ومن تأليف ناديا الأحمر، وتم تصويره في استديوهات أبو ظبي.

المسلسل يلعب بطولته عابد فهد في شخصية المحامي «نوح»، وإلى جانبه الفنان سلوم حداد بشخصية «فايز الأشقر» وهو زعيم مافيا، في حين تجسّد الفنانة كارين رزق اللـه شخصية زوجة المحامي «نوح»، وإلى جانبهم كل من: ستيفاني عطا الله، غريس قبيلي، مصطفى سعد الدين، قاسم منصور، وخالد نجم.

وأخيراً في طرح مختلف عما هو معتاد للمسلسلات الرمضانية والممتدة لثلاثين حلقة، تم تقسيم مسلسل «350 غرام» إلى ثلاث مراحل، وكنوع من التغيير تم إعطاء كل عشر حلقات عنواناً ثانوياً.

في القصة والأحداث

كما أشرنا أعلاه المسلسل من بطولة عابد فهد في شخصية المحامي «نوح» وهو في الأربعينيات من عمره والملقب بـ«المخلص» لبراعته المطلقة بالقانون وبثغراته الدقيقة، والتي أضافت إليه حضوراً قوياً لا يجرؤ أحد على مواجهته لا في المحاكم ولا خارجها، فحتى لو كان حكم موكله بسبب الجرم الذي اقترفه يستوجب دخوله السجن المؤبد أو الإعدام، إلا أن دهاء المحامي «نوح» وخبرته تمكنه من تخليصه وكل ذلك يخضع للمبلغ المرقوم والمدفوع عبر دفتر الشيكات.

في السياق الدرامي نلحظ بأن «نوح» يتعرّض إلى أزمة قلبية تكشف بأن حالته الصحيّة حرجة، وأنه يعاني من قصور كبير في عضلة القلب، ممّا يضطره إلى إجراء عملية زرع قلب فورية، ولكن القدر يسخر من جبروت البشر، ليتحول هذا الشخص إلى شخص آخر، بمعنى تحدث ولادة إنسان جديد، مختلف عن الأصل بالكثير والكثير، رجل بقلب نصف مليء بالحب والرحمة ونصف مسكون بذكريات الماضي من المشقة والألم، فبعدما شاهدنا احتياله ومكره مع الجميع وحتى مع أقرب الناس إليه وهي زوجته، يتحول إلى رجل آخر يساعد الناس ويفعل المستحيل لخدمتهم، وليس هذا فقط بل ويتابع السياق الدرامي ولتدور الأحداث وتتواتر في معمعة البحث لمعرفة من وهبه قلبه، ومن باب الوفاء يكمل «نوح» كل ما كان يتمناه ذلك الرجل ويساعد عائلته بكل الوسائل. وهذا من جهة ومن جهة أخرى قلبه الجديد يضعه أمام مطبات شائكة وتتناقض تماماً مع عقله المدبر، فقلبه يعرف الرحمة والرأفة ولا يقبل بالشر، على عكس عقله وما يقرره من أعمال تبيح وتشرّع ما هو محرّم أو جرم.

المسلسل بمنطقية معينة يعطي القلب دوراً في شخصية الإنسان، فدوره عادة محدود في العواطف والمشاعر وفي تنظيم سير الدورة الدموية، ولا علاقة له بدور العقل المقرر والمدبر للأفكار والقرارات وحتى بالذاكرة، لكن ما يصوّره المسلسل هو تحكّم القلب بصاحبه، من خلال الصراعات المتناقضة التي يعيشها الشخص نفسه «نوح» والتي تضعه أيضاً في مواجهات وصدامات، منها مع زعيم المافيا «فايز الأشقر» كونه هو محاميه والمطلع على كل أعمال عصابته، ويقوم بقوننة كل أعمالها غير الشرعية، لتتوالى أحداث المسلسل في إطار شيق ومثير وتكشف الغموض الذي تعيشه شخصياتها ومنهم «فايز الأشقر»- والذي كما ذكرنا سلفاً يجسد هذه الشخصية الفنان سلوم حداد- لقبه هو الآخر «الشيطان» لشدّته وحزمه وقساوة قلبه المطلقة فيما يخص خارج منزله، ورغم أن قتل ابنه «فارس» قد كسر ظهره من شدّة الحزن على فراقه، إلا أن جبروته أبى أن يعترف بضعفه هذا حتى أمام أفراد أسرته وخصوصاً ابنه والذي يؤدي دوره الممثل مصطفى سعد الدين، بشخصية طبيب نفسي الذي يواجهه دائماً بأن مصابهما واحد كون كل منهما قد فقد ابنه، ولكن يقابله الأب على الدوام بالقسوة المتعنّدة وبالجبروت الذي يأبى أن يعترف بالعجز أو الحزن، كيف وشخصية حداد هنا تمثل رجلاً صعباً بطريقة غير منطقية، فهو لا يصغي لصوت العقل ولا العلم ولا لشيء سوى لصوت السلطة والبطش مع القوة التي حولت قلبه إلى حجر.

بينما كارين رزق اللـه والتي تمثل دور زوجة المحامي «نوح» ففي حياتها أيضاً جانب مظلم ومليء بالغموض والأسرار، فرغم حبها الكبير لزوجها، إلا أنها تتعرض لمطب جدّ شائك بسبب ظهور حبيبها السابق والذي يعود بين الحين والآخر من السفر، ليبتزها بالصور غير اللائقة، والتي كان قد التقطها لها بعدما قام بتخديرها. هذا الأمر لم يغفل عنه «نوح» الذي علم بحال زوجته بعد أن راقبها عن كثب وليلقن الشاب درساً لن ينساه، وليس هذا فقط فالدرس يطول زوجته والتي علمت بأن طفلها حي يرزق وكان حبيبها السابق قد وضعه في ميتم للأطفال، فهنا يتدخل «نوح» ليحرمها هو الآخر من طفلها.

الأحداث تتعقد والمفاجآت مشوقة، والقصة تتكشّف عن الأمور يوماً بعد يوم، فهناك الكثير مما ينتظرنا لنتابعه في حلقات مسلسل «350 غرام» الثلاثين، وإلى وقتها نتمنى لكم صوماً مقبولاً وإفطاراً شهياً ومتابعة لطيفة للمسلسل ولكل الأعمال السورية لهذا الموسم الرمضاني الكريم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن