اقتصاد

وزارات تكتب معلقات عن خطط المستقبل … غنية بالطموحات وفقيرة بالنتائج

| هني الحمدان

كما هو معروف أن لكل وزارة خطة تهدف إلى الوصول إلى إنجازات ترى فيها خياراً تنموياً أو اقتصادياً وربما نجاحاً خدماتياً متقدماً، وتختلف الخطط الموضوعة حسب مهام كل وزارة، وتتجدد تلك الخطط والرؤى مع مجيء كل وزير، يستلم دفة مهام الوزارة، بعض من هذه الخطط التي تأخذ طابع الاعتمادية من مجلس الوزراء، أي تصبح خطة معتمدة وبشكل رسمي، لا تلقى أي نتائج تذكر وسرعان ما يتم تناسيها، أو تصطدم بجملة من العثرات الثقيلة والضغوط، منها ما يكون بإمكانها إيجاد حلول لها إلا أن نيات التنفيذ لم تكتمل حلقاتها بشكل تام عند بعض الجهات والإدارات، فيما تواجه خطط بمعوقات التنفيذ المرتبطة بعدم المتابعة والإهمال بالإشراف وقد يصل الأمر إلى مسائل كالروتين وفتح حلقات الفساد والمنفعة، وهذا السبب من وراء تقديم خطط لمشروعات عن أخرى حسب قياس الاستفادة.
هنا نشير إلى أهمية التخطيط للمشروعات وصرف الاعتمادات المالية بحال تم الاقتران بتوقيت زمني محدد وبرنامج عمل مؤطر لا تشوبه شوائب، فجميل أن تبادر الإدارات والوزارات إلى اعتماد التخطيط الاستشرافي المستقبلي الواقعي، يكون متضمناً كل التصورات التي ترغب هذه الوزارة مثلاً، أو تلك الجهة بالوصول إليها بالإنتاج والتطوير بكل الوسائل المتاحة لها من إمكانات، فالخطط المعتمدة هي الخطط المرسومة بدقة هكذا يفترض، لها جملة أهداف محددة وبرامج زمنية محددة من أجل تطبيقها المقرر أن يتحقق بسرعة وبلا أي عثرات، وأعمال لمشاريع محققة المواصفات بعيدة عن أي سرقات أو تلاعبات.. وهذا إن تم فستنعكس المشروعات المنفذة حسب برامج مخططة على الاقتصاد المحلي من نمو يحقق فرصاً استثمارية ووظائف للعديد من الأيدي العاملة الحالمة بالعمل.
ومن يتابع عمل بعض الوزارات يلحظ تكرار أحاديث مسؤوليها عن الخطة العامة والخطط الأساسية التي ينوون العمل بمقتضاها، وكأن الخطط التي يتحدثون حولها المنقذ الأوحد لمشكلات وتحديات عمل وزاراتهم، لكن سرعان ما تمضي السنوات ولم يتغير شيء يشار إليه بالبنان عن نجاح الخطط وتحقيق أهدافها كما يجب، فمواضيع الخطط مسائل متكررة، تحولت إلى سيمفونيات تشير إلى بعض السلبيات العالقة، وفي معظم الأوقات تفتقر للحلول وإيجاد مخارج آمنة للنجاة.. اليوم مثلاً هناك خطة وطنية للتصدير، وأخرى لتطوير الصناعة، ومثيل لها في الزراعة والإسكان والسياحة.. إلى خطط لوزارات أخرى، رؤى واستراتيجيات براقة وغنية بطروحاتها، فقيرة بمستويات نتائجها ومراميها..!
ونعود لخطة التصدير التي سيتم وضعها موضع التنفيذ الفعلي لتحفيز الصادرات، أولاً الخطة تضمن حزمة متكاملة من البرامج والإجراءات وأدوار كل جهة من الجهات التي تتشابك أعمالها مع وزارة الاقتصاد، وهناك عناوين مهمة سيتم العمل وفقها مستقبلاً من أجل انسيابية وتنافسية المنتج السوري، وتسعى إلى التخفيف من أعباء التحوط لمواجهة المخاطر المحتملة، وستركز على موضوع مهم جداً ألا وهو إعادة النظر بالرسوم المفروضة على الصادرات والجديد هو تأسيس شركات للتأمين الزراعي، وإقامة معارض تسويقية وتخصصية في الخارج، ومتابعة مستمرة لآخر تطورات الأسواق ومتطلباتها.. وبعيداً عن سرد لمرامي خطة التصدير، فهي جميلة بغنى طروحاتها، إلا أن لا أحد يعلم متى يتم تنفيذ كل أهدافها، وهل بمقدور الوزارة تحمل تبعات تنفيذها وتكسب الرهان وتحقق النجاح.. ؟ أم إن المسألة إعادة لبرامج خطط سابقة مع شيء من التوجهات التي يستحيل تنفيذها.. ؟!
إن أفكار إقامة معارض تخصصية وتسويقية ليست بالاختراع الجديد في عالم الاقتصاد والتصدير، وهو جانب مهم، علماً أن اليوم هناك منافذ أخرى بأقل التكاليف والأعباء وبأقصر الأوقات، وهناك أولويات تسبق خطوة المعارض والزيارات والاستكشافات، هي مسألة الإنتاج وتحسين جودته وتهيئة الأجواء المناسبة أمامه للتصدير، وفتح قنوات عبوره، ولنا في مسألة التفاح السوري وقفة، أساءت للمنتج السوري جراء تشابكات وعدم حلول منطقية وسريعة من بعض الإدارات..! ويبقى الملاحظ أن كل مفردة من مفردات الخطة تفتقر إلى برنامج الزمن المحدد لتطبيقها.
وكلنا يعلم خطط وزارة الصناعة وتوجهاتها ولجانها على مدار سنوات عديدة مضت، وماذا كانت النتائج..؟ شركات لا تزال خارج إطار العمل والفائدة بل تشكل نزفاً لموارد وأرباح الشركات الرابحة، وتتغنى الوزارة بين الحين والآخر، بأنها ستنفذ خطة لإحياء الشركات المتعثرة وتطور خطوط إنتاج بعض منشآتها، وإصلاح القطاع العام الصناعي هو حديث يطول حول برامج إعادة البريق لآلاته، ورأت الوزارة مؤخراً أن أرباحها التي حققتها خلال عام 2020 كانت بحدود 50 مليار ليرة فقط.. وفي أي مناسبة يتجدد الحديث حول الخطط والرؤى الإنقاذية..! والشيء الجديد الذي طرح لدى الوزارة التوجه نحو الانتشار الأفقي للمنتجات، ومع الأسف عجزت شركاتها عن تأمين مادة كالزيت، ولديها المقومات والإمكانات وخطوط الإنتاج..
في الإسكان كل عام تتحفنا بخطط توسعات لتشييد أبنية ووحدات إسكانية جديدة لآلاف المكتتبين من سنوات تعدت برامجها الزمنية المحددة للاستلام، وأخرى صدرت عنها سوف تخصص 6 آلاف مسكن جديد.. بوقت لم تملك الإجابة عن موعد تسليم المكتتبين لمسكن من فئة ألف مثلاً في توسع ضاحية قدسيا..؟!
في الزراعة أحاديث تطول، توقعات حجمها كبير في ظل إنتاج متواضع وأسعار نار لمعظم المنتجات، في وقت يستنجد فيه الفلاح والمنتج من غلاء مستلزمات الإنتاج، والطرح اقتصاد زراعي تنموي وتنافسي، وأيضا لا أحد يعلم متى سيتحقق مثل هكذا توجه أو مسعى.. ؟!
وأطربتنا بحق وزارة الاتصالات بعنوان خيار الاقتصاد المعرفي، وهنا لا ننتقد مثل تلك التوجهات والخطط، بل ننتقد افتقارها لبرنامج التنفيذ ومدته زمنياً.. ما فائدة أن نطرح خططاً وجميعها تخلو من وضع عمر زمني محدد للتنفيذ.
ما يهمنا ويهم تنشيط الحركة الاقتصادية وعجلة الإنتاج والعمل هو الإفصاح المستمر عن نسب تنفيذ هذه الخطط سنوياً بعد اعتمادها فمعظم المشاريع والخطط يأكلها الزمن، ولنا في خطط الصناعة والإسكان مثال صارخ.
هناك مشاريع بمليارات الليرات متعثرة حتى الآن، ولا تقدر أي جهة على الإفصاح عن السبب الحقيقي، قد يكون الإهمال والفساد، ومن هي الجهة المعطلة أو المعوقة لها؟ فأي خطة إستراتيجية تشترك بها جهات عديدة ولا بُدَّ أن يكون التنسيق بينها مرتفعاً وسير أعمالها يتوازى مع بعضها بعضاً لتحقيق الهدف المرجو من الخطة.
فالخطط إذا اعتمدت أصبحت ملزمة وستنعكس على أوجه الاقتصاد وقطاعاته، وفي حال عدم المقدرة على تطبيقها ستتحول إلى مكان يستنزف الميزانيات، وهنا المتابعة ورسمها بدقة مع الإفصاح عن مراحل إنجاز الخطط تعد أمراً حيوياً يسهم بتطوير دور كل جهة وقطاع له علاقة بها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن