عبر دارة تلفزيونية مغلقة، عُقدت الجولة الثالثة من الحوار الإستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية في الـ7 من نيسان 2021، برئاسة وزيري خارجية البلدين أنتوني بلينكن وفؤاد حسين، وتناولت «قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، والاقتصاد والطاقة والبيئة، والقضايا السياسية، والعلاقات الثقافية».
وخلال مؤتمر صحفي، أعلن مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي أنه لن «تكون هناك قواعد عسكرية أميركية في العراق»، مؤكداً أن «الجانب الأميركي تعهد بسحب عدد مهم من قواته من العراق».
البيان المشترك الذي صدر في أعقاب جولة الحوار الثالثة، لم يحدد موعداً ولا جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأميركية من العراق، وفقاً لقرار المجلس النيابي المتخذ في الـ5 من كانون الثاني 2020، القاضي بإنهاء وجود أي قوات أجنبية في الأراضي العراقية.
كما أشار البيان المشترك إلى أن «دور القوات الأميركية وقوات التحالف قد تحول الآن إلى المهمات التدريبية والاستشارية على نحو يسمح بإعادة نشر المتبقي من القوات القتالية خارج العراق»، متجاهلاً ذكر حجم القوات التدريبية والاستشارية المتبقية، وحجم تلك التي ستغادر العراق! وإذا كانت تلك القوات قد حولت مهامها إلى الاستشارة والتدريب، فما معنى عبارة «وينوي البلدان مواصلة المحادثات عبر لجنة عسكرية مشتركة لضمان انسجام عمليات التحالف الدولي مع احتياجات القوات الأمنية العراقية، ومن ضمنها قوات البيشمركة»!
الناطق باسم القوات الأمنية العراقية العميد يحيى رسول، أعلن في الـ31 من آذار 2021، أن القوات العراقية تسلمت «مجموعة جديدة من أبراج المراقبة من التحالف الدولي» في قاعدة عين الأسد الجوية. وقد اعتبر البيان المشترك، أن «القواعد التي يوجد بها أفراد التحالف هي قواعد عراقية وهم موجودون فيها حصراً لدعم جهود العراق في الحرب ضد داعش»! فهل تسليم أبراج المراقبة في القاعدة، يعني أنها أصبحت تحت السيادة العراقية، وخالية من الوجود الأميركي؟
المقاومة العراقية، وعلى مدار الأشهر الماضية صعّدت وتيرة استهدافها للمواقع الأميركية وقوافل الدعم اللوجستي للتحالف الدولي الذي جل قواته أميركية، وهي لم تستهدف يوماً أي بعثة دبلوماسية أجنبية، باستثناء مجمع السفارة الأميركية في بغداد، لكونه ليس بعثة دبلوماسية، بل قاعدة عسكرية أميركية ضخمة، فلا يكاد يمر أسبوع من دون أن تطلق القوات الموجودة فيه رشقات من صواريخ منظومة الدفاع الجوي (C-RAM) لاختبار فاعليتها! فما الحكمة من التزام الحكومة العراقية بـ«حماية أفراد وقوافل التحالف الدولي والبعثات الدبلوماسية التابعة لدوله»؟! وفقاً للبيان المشترك.
وإذا كانت جولة الحوار بين دولتين ذات سيادة، فما المعنى من أن يذكر البيان، أنه «شارك في الحوار ممثلون عن حكومة إقليم كردستان»؟! فهل سبق أن ذكر أي بيان أميركي مع أي دولة كانت، أن ممثلين عن إحدى ولاياته شاركوا في الاجتماع؟ وما علاقة الولايات المتحدة بالترحيب باتفاق حكومة بغداد وحكومة أربيل «بشأن الموازنة والطاقة والقضايا الإستراتيجية الأخرى»، كما ورد في البيان المشترك؟!
رئيس ديوان إقليم كردستان فوزي حريري الذي ترأس وفد الإقليم في جلسة الحوار الثالثة، المكون من سكرتير حكومة الإقليم آمانج رحيم، ومستشار وزارة البيشمركة العميد الركن هزار عمر، ومدير مكتب نائب رئيس الإقليم لاوك صلاح أحمد، قال لصحيفة «الشرق الأوسط» في الـ5 من نيسان الجاري: إن «وفد الإقليم يعمل على تمثيل مطالب الإقليم ضمن الفريق العراقي»! ليعود لاحقاً رئيس وزراء الإقليم مسرور البارزاني للقول خلال مؤتمر صحفي في الـ7 نيسان الجاري: إن «على الوفد العراقي أن يأخذ بنظر الاعتبار أن إقليم كردستان له قراره، وأنه يرى ضرورة بقاء قوات التحالف الدولي في العراق، ما دامت مخاطر الإرهاب قائمة»!
وبالتالي ليس مستغرباً أن يرد في البيان المشترك، أن الولايات المتحدة تؤكد «احترامها لسيادة العراق وسلامة أراضيه»، متجاهلة إضافة عبارة «ووحدة أراضيه».
بيانات قوى المقاومة العراقية، وعدت قُبيل الجولة الثالثة من الحوار، باستمرار عملياتها، وازديادها كماً ونوعاً «إذا لم توافق الولايات المتحدة على إغلاق القواعد في غرب ووسط وحتى في شمال العراق، لأن شمال العراق هو شمال العراق، وليس شمال دولة ثانية»، وأنه «لا مجال لاستمرار القواعد العسكرية الأميركية لا في قاعدة عين الأسد في الأنبار ولا في قاعدة الحرير في أربيل ولا في أي مكان».
وبعد كل ذلك، الجنرال كينيث ماكينزي قائد القيادة الأميركية المركزية الوسطى، «بق البحصة» في الـ22 من نيسان الجاري بالقول صراحة في مؤتمر صحفي: «العراق يريد بقاءنا، ولن نخفض عدد القوات هناك»، مضيفاً: «لا نتوقع الانسحاب من العراق في الوقت الحالي».
إن إخراج القوات الأجنبية من العراق بالمفاوضات، والبحث عن السلام عموماً، هو كالبحث في الأوهام. فالولايات المتحدة الأميركية لم تفِ بتعهداتها يوماً، وهي ليست صديقة لأي نظام عربي مهما كان اعتداله وحياده.