بين الصاروخ الطائش والتحليلات الطائشة: الجيش العربي السوري أقوى من أمنياتكم
| فرنسا - فراس عزيز ديب
لا تزال سهرة الصاروخِ الطائِش تفرضُ وجودَها على موائدِ التحليل الرمضانية، بعضها لا يستحق الوقوف عنده تحديداً تلك التي تخلط بين العاطفة والواقع، بعضها الآخر يبدو مبتذلاً ومكرراً كسيناريوهات الأفلام الهندية، كأن يوصِّف لنا البعض ما حدثَ لدرجةٍ يُشعركَ بها وكأنه يعرف حتى الرقم التسلسلي للصاروخ مع الجزم بأنهُ «إيراني الصنع»! هكذا تحليلات اعتدنا عليها معَ كلِّ يومٍ يصنع فيهِ الجيش العربي السوري الحدث عبرَ انتصارٍ ما، فيأخذونه في مهب التحليلات لدرجةٍ يتم فيها تقزيم القوة السورية، عادة باتت أشبهَ بالإدمان يبدو بأن مدمنيها ليسوا قادرين على الخروجِ منها إلا عبرَ مَصَحِّ الواقعية.
وسط هذا الزحام الإعلامي لا يبدو بأنَّ التخبط الإسرائيلي محكومٌ بصفعة المكان الذي وصل إليهِ الصاروخ فحسب، لكن الأهم أنه محكومٌ بالصمتِ الرسمي السوري، هذا الصمت كعادتهِ مَهيباً انطلاقاً من فرضيةِ أنهُ أبلغُ من كل الكلام، صمتٌ يفتح التساؤل المشروع فعلياً: ماذا حدث؟
لاستقراءِ الإجابة على هذا السؤال دعونا نضع العواطفَ جانباً ونناقش النقاط التالية:
أولاً: القوة الصاروخية السورية
لا يوجد جيش في العالم إلا ويمتلك نقاط قوة تشكِّل بالنسبةِ لهُ قيمة مضافة، لكنها بذات الوقت تشكِّل للعدو حافزاً للسعي باجتهادٍ لضرب نقاط القوة تلك عبر مضادها المباشر، أو تطوير سلاحٍ آخر يشكِّل نقطة تفوقٍ مضادة، فالجيش الأميركي مثلاً تتمثل قوتهُ بسلاح الجو لما يمتلكه من ترسانةٍ من المقاتلات المتطورة، هذا الأمر شكَّلَ حافزاً عند الروس للاجتهادِ وصولاً إلى تطويرِ منظومات دفاع جوي هي الأولى في العالم.
حال سورية في حربها مع الكيان الصهيوني لا يختلف كثيراً، فالكيان الذي يستمد من الأميركيين تفوقَهم في سلاح الجو، يبقى عاجزاً أمام فك شيفرة إحدى أهم نقاط قوة الجيش العربي السوري وهي سلاح الصواريخ.
هنا لا بدَّ أن نذكِّر البعض بأن القوة الصاروخية في سورية عمرها عقود منَ الزمن، هي بالأساس نتيجةَ تعاونٍ سوري – سوفييتي وسوري – كوري ديمقراطي، هذا معروف للجميع، لكن ما ليسَ معروفاً هو قدرةِ كل دولة امتلكت هكذا صواريخ هجومية على وضعِ لمساتها الخاصة بأيدي أبنائِها في عملية التطوير والتحديث، هذه القطبة المخفية هي ما يقضّ مضاجع العدو لتصبح تلكَ التعديلات المجهولة هدفاً استخباراتياً إسرائيلياً، كمنظومة أو كمطورين وعلماءَ سوريين. هذا التصنيع أو التطوير الذي تم بجهودٍ سورية ذاتية كلفت الدولة السورية المليارات، يبدو معها من السذاجةِ الاعتقادَ بأنهم فعلوا كل ذلك على مدى عقودٍ ليكتفوا بإطلاقِ صاروخٍ و كفى الله المؤمنين شر القتال، من دونَ أن ننسى بأن هكذا سلاح هو بالأساس يستمد قوتهُ من الرشقات المتعددة والمتزامنة، عندها يصبح أكثرَ فاعلية في إرهاق الدفاعات الجوية المضادة، وزيادة المساحة التدميرية المستهدَفة.
من جهةٍ ثانية علينا عدمَ تجاهل فكرة كشفِ الصاروخ أمام العدو، هنا دعونا نعود للحرب اليوغسلافية عندما قرر حلف الناتو شنَّ غاراتٍ على العاصمة بلغراد، يومها أسقط اليوغسلاف طائرة شبحٍ أميركية، الطائرة التي كان اسمها فقط يزلزلُ جيوشاً وعروشاً بقي سر إسقاطها حتى اليوم مجهولاً، فلا المُسقط الحقيقي اعترف بالآلية (صاروخ أرض جو أم معركة مباشرة مع طائرة ميغ 29)، ولا صاحب الطائرة وجدَ حطامها ليستكشف ما يجري، ومع اقتناع الأميركيين بأن الحطام سيقع بيد الروس ما يعني انكشافَ أسرارِها للعدو بدأ الأميركي تدريجياً يتخلص من فخرِ صناعاته الجوية، وصولاً إلى إعدامها نهائياً في العام 2008، هذه الحادثة تصلح لكل الحروب ولكل الحالات بما فيها الحالة السورية، كيف لك أن ترمي لعدوك ببساطة بقايا الصاروخ الذي يمثل بالنسبة لك الجوكر في أيّ معركةٍ قادمة!
ثالثاً: التناغم بغباء مع ادعاء العدو
يجهَد الإسرائيلي لإثباتِ كذبة أن إيران موجودة في سورية وتتحكم بكلِّ المفاصل العسكرية على الأرض، فيأخذ الأمر كذريعةٍ لشن الهجمات المتتالية، هو عبرَ ذلك لا يكتفي فقط بالطلعات الاستفزازية، لكنه بذات الوقت يحاول إيصال رسالة للشعب السوري بأن مشكلتكم مع إيران، وأنا أقوم بما أقوم بهِ لأن إيران موجودة في سورية، هي ببساطة محاولة خبيثة لتقليب الرأي العام في سورية على خيارات القيادة السورية، وكأنَّ الإسرائيلي قبل الحرب السورية كان حمامةَ سلام.
البعض للأسف يعطي للعدو بطريقةٍ أو بأخرى صكَّ تصديقٍ لادعاءاته عندما يعطي لكلِّ حدثٍ بُعداً يختلف تماماً عن الواقع. في كل الطلعات الجوية الإسرائيلية لم تخسر إيران عسكرياً واحداً، لأنهم أساساً ليسوا موجودين إلا في عقول الكذَبة من الإسرائيليين وبعض السذَّج الذين لا يفصلون بين العواطف والانعكاسات، ففي كل الهجمات الإسرائيلية كان المُستَهدف هو الجيش العربي السوري والمناطق المدنية السورية، و الدفاعات الجوية السورية هي التي ترد بالسلاح السوري التقليدي أو المعدَّل لا فرق، البعض يتجاهل بأن سورية هي دولة المواجهة الأولى على هذا الأساس بُنيت المنظومة العسكرية السورية عقيدةً وتسليحاً، نعم نعترف بأن تدمير منظومة الدفاع الجوي عبرَ الأذرع الإرهابية التي ادعت طلب الحرية أضرها كثيراً، لكن ليسَ لدرجةِ الاعتقاد بأن المقاتل العربي السوري ينتظر من يضغط الزر عنه!
رابعاً: ديمونة ليسَ هدفاً منطقياً
في ذاكرة البعض هناك المصطلح الشعبي «علي وعلى أعدائي»، هذا المصطلح إن كان قابلاً للتطبيق فهو كذلك في حال الشعور بأن الهزيمة قابَ قوسين لا أكثر، عندها قد يلجأ المحارب إلى استعمال آخر الأوراق على مبدأ لينجو من ينجو. هذا التفكير تقريباً استخدمتهُ الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الثانية عبرَ قصفِ هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة النووية، لأنها كانت الطريقة الوحيدة لإجبار اليابانيين على الاستسلام، حتى إن بعض الوثائق تثبت بأن اليابانيين كانوا مصرين على القتال لكن خوف الإمبراطور من امتلاك الأميركيين للمزيد من القنابل سرَّع باستسلامه، و الأهم أن ضررَ الانفجار لا يمكن لهُ أن يلحق الأذى المباشر بالأميركيين. في الحالة السورية قد نلجأ يوماً إلى فكرةِ «علي وعلى أعدائي»، لكن لا يمكننا ببساطة أن نطبق هكذا فكرة خلال معركة جانبية، إذ لا يبدو بأن استهداف مفاعل الديمونة وما يحمله من تبعات قد تنحصر فقط في عمق فلسطين المحتلة، هنا علينا ببساطةٍ أن نفكر بالمدى الذي تصل إليه التسربات الشعاعية التي تبدو أبعدَ بكثيرٍ من مدى الصاروخ الذي سقط، والأهم أن ضرره سيشمل خمسَ دولٍ عندها ماذا ستكون النتيجة؟ على هذا الأساس لا يبدو بأن هكذا استهداف هو ضمن الخطط العسكرية السورية قصيرة الأمد، هو قد يكون الاستهداف الأخير في معركة كبرى، تحديداً أن الكيان الصهيوني يمتلك الكثير من النقاط الحساسة والمكشوفة للصواريخ السورية.
في النتيجة: نعرف تماماً أنَّ الفرح الشعبي الناتج عن وصول الصاروخ إلى قربِ مفاعل ديمونة، كان نتيجة منطقية لما تحمله هذه الشعوب من غضبٍ تجاهَ كيانٍ لم يترك أي نوعٍ من الإجرام يعتب عليه، لكن بذات الوقت فإن العقل السوري يبدو أبعدَ بكثيرٍ عن هكذا استفزازات، لأنهُ في النهاية يعلم تماماً أن توقيت المعركة لوحدهِ نصف انتصار، نثق تماماً بأن المعركة مع الكيان الغاصب آتية، و كلنا ثقة بأن الجيش العربي السوري سيكون كما نتمناه، فكيف وهو في الواقع أقوى حتى من أمنياتنا؟!