وسائل التواصل الاجتماعي والصغار.. تحولت إلى ميدان للعب واللهو إضافة إلى أنها صارت ميداناً للتعلم الاحترافي
| ثناء خضر السالم
رائعة هي مواقع التواصل الاجتماعي، بدءاً بصفحتك على الفيس التي تمنحك فرصة الاطلاع على أفكار أشخاص تحبهم من مفكرين وأدباء مروراً بصور لوحات التشكيليين، وصولاً إلى المسنجر والواتس آب اللذين يمنحانا فرصة التواصل مع أصدقاء وأحباء في أيّ وقت نشاء مهما بعدت المسافة التي تفصلنا عنهم، ومتابعة مجلات وصحف ورؤية مسلسلات وأفلام. هذا ما حقّقته لي مواقع التواصل إيجابياً، أمّا سلبياً فتأتيني رسائل صور إباحية ويسألونني إن كنت أريد أن أرى أو لا عبر خيارين استجابة أو رفض، وأنا في عمر لن يؤثر في نفسيتي ويرسخ في ذهني ما سأراه لو حصل وأردتُ أن أستجيب، فما بالكم تتركون صغاركم يمتلكون صفحة على الفيس، ويتعرضون لأذى قد لا يُنسى تحت مسمّى معرفة. أين أنتم أمام هذا الزحف الخطير على حياة فلذات أكبادكم.
ذات مرّة كان السيد فادي علي مدير مؤسسة شمس التجارية في حيرة من أمره أمام إصرار ابنته على صفحة في الفيس إن كان سيستجيب لها أم لا ،وقد يقع المرء تحت سطوة عاطفته أحياناً لذا أوّل شخص خطر ببالي أن أسأله وأنا أعدّ هذه المادّة هو، فقال:
في الواقع كل يوم عن يوم أجد نفسي كما أجد ابنتي نفسها بحاجة إلى مزيد من الوقت قبل إنشاء الصفحة، عندما أثرتُ الموضوع كانت مايا في السنة الحادية عشرة من عمرها، فكانت طفولتها أهم مسوّغات التأجيل، أمّا الآن فقد وصلت المسوّغات إلى حدّ درجة الخطورة أو على الأقل أقصى درجات الحذر مع دخول ابنتي في ربيعها الرابع عشر وتعلمين حساسية هذا العمر. لذلك آثرت التأجيل مجدّداً حتّى أتّقي عناء المراقبة مع ما تتضمّنه من احتمال كشفها من قبل مايا وهذا ما سيسبّب إحراجاً لي وأذى نفسيّا لابنتي، فضلا عن تداعيات هذا العالم الافتراضي على دراستها عطفاً على الأذى الاجتماعي المحتمل.
والمعلّمة سيرين سلمان معلّمة ابنتي في صفها الحالي التي تحدّثنا عن تماس مباشر بالموضوع ماذا يحصل: يشعر الطفل بالدونيّة بسبب حصول صديقه على صفحة على الفيس وعدم حصوله هو، فيرضخ الأهل الذين لا يرفضون طلباً لابنهم.
أنا أرفض هذا التدليل المبالغ به، وضد وسائل التواصل الاجتماعي في عمر مبكّر، فهذا من شأنه أن يجعل الطفل يرى أشياء لا يستوعبها في هذا العمر، وقد يتعرّض للابتزاز فضلاً عن الألعاب المشجّعة على الانتحار لعبة مريم والحوت الأزرق وغيرهما. ثمة فكرة أخيرة المسنجر والواتس تسبّب بخلاف عائلات وطلاق وهم كبار فماذا عن الأطفال؟
ناقشتُ هذا الموضوع مع مجموعة من الصغيرات هذه أراؤهن:
لجين البستاني (الصف السادس): تجد فيه فرصة للتواصل مع خالها المسافر، وهنا أسأل هل من الضروري أن يكون لديها هاتف وواتس ومسنجر في هذا العمر ألا يمكنها التواصل معه من خلال هاتف أمها أو أبيها. أما السلبيات التي تجدها فهي تعرّض الصفحة للتهكير فضلاً عن نشر الإشاعات، وفي المسنجر يتحدّث معك أشخاص بأسماء وهميّة على أساس أنّهم يعرفونني وأكتشف بعدها أنّهم يكذبون.
وهنا أتساءل أنا: أليس الباب مفتوحاً على مصراعيه للاستمرار في الحديث مع أناس لا نعرفهم ولا ندري إلى أين يمكن أن يصل الكلام الذي قد يستخدم صاحبه كلاماً معسولاً؟!
ريم ونّوس طالبتي المبدعة التي كنت أتابعها وقد تميزت في مجال الإعلام الصغير وهي مميّزة في مجال الرّسم لديها صفحة من عمر الحادية عشرة وهي الآن في الصف التاسع، أفادتها الصفحة في التواصل مع أصدقائها ومعلّماتها، وحاليّاً في متابعة الصفحات التعليمية والدراسية إضافة إلى الصفحات التي تنمّي موهبتي، ولا أجد أنّ الأمر سابق لأوانه، بشرط مراقبة الأهل.
أختها حلا ونوس -وهي أيضاً طالبتي صارت الآن في الصف الحادي عشر لديها صفحة من عمر العشر سنوات- تخالف أختها في الرأي فتجد أنّ إنشاء صفحة في عمر صغير خطأ وخصوصاً إن لم يخضع الأمر لمراقبة الأهل، فقد يتعرّض لأناس غرباء. أفادتها الصفحة في التواصل مع أصدقائها والاطّلاع على الأخبار كونها لا تشاهد تلفازاً، والصفحة للترفيه أيضاً.
تالا سلامة: (في الصف الحادي عشر) أنشأت عدة صفحات بدءاً من الصف الثالث أثّرت عليّ إيجابيّاً لأنّي كنت أبحث من خلالها عن مواضيع مختلفة تخصّ دراستي وثقافتي وهواياتي، وأنا أشجّع الجميع أن يكون لديه صفحة ولو كان بعمر صغير بقصد الفائدة وليس بقصد هدر الوقت فأنا كنت أستغل التطبيق في البحث عن أقوال مأثورة و نماذج اختبارات وأوراق عمل وأفكار لإعادة التدوير. تختلف درجات الوعي من طفل لآخر، وعلى الأهل أن يقدّروا الأمر ويتحمّلوا مسؤوليّة المراقبة والضبط.
لمار حيدر(الصف الخامس): تعرّفت على أشخاص جدد واستفدتُ من ثقافتهم، وقد قمت بتركيب فيديوهات بتطبيق صور على أغان أحبها. السلبيات هي التعليقات المزعجة.
جودي إبراهيم(الصف السادس): ثمّة قصص جذابة تسلّيني، أطّلع على أمور لا يبثّها التلفاز فوراً، لكنّ الأمر أثّر على دراستي، فأنا أقضي وقتاً طويلاً على الانترنت ولا أشعر بمرور الوقت.
أوليانا إبراهيم (الصف الخامس): أفتحه فقط من أجل مقالات عن عجائب اللغة مثلا.
لازوردي إبراهيم(الصف الخامس): معلومات كثيرة أحصل عليها. لكنّي مرّة شاهدتُ فيديو وحزنت كثيراً وهو عن أغرب الأطفال في العالم وهو عن أطفال مشوّهين برأس كبير وظهر منحن وغير ذلك. تألّمتُ كثيراً.
إحدى الصغيرات وشوشتني عن صورة شاهدتها دون قصد وطلبت منّي أن أُبقي الأمر سرّاً بيني وبينها.
عندما أنهيت حديثي مع آخر أربع صغيرات سألتهنّ: أليس مبكّراً أمر وسائل التواصل الاجتماعي؟ أجبنني بصوت واحد لن أنساه ما حييت ( إي بكير)، والله لم أتوقع الإجابة، توقعت الدفاع عن الموضوع.
الصغيرات يرين فلماذا الأهالي في حالة استهتار. لا تقولوا لي أيها الأهالي الأعزاء إنّ عيونكم معلقة على هواتف صغاركم لمّا يفتحوا إنترنت. حاذروا أرجوكم الأطفال هم المستقبل فارحموا مستقبل أطفالكم.