قضايا وآراء

الصراع الجيوسياسي على الطاقة شرق المتوسط

| د. قحطان السيوفي

تشهد منطقة شرق البحر المتوسِّط تطوُّراتٍ مهمَّة، يرافقها تصاعد التنافس الإقليمي والدولي ليُعبِّر عن دوافع جيوسياسية واقتصادية على أجندة الفاعلين الإقليميين والدوليين، وخاصَّةً مع تصدر الحديث عن اكتشافات الغاز الطبيعي واستثماره ضمن أجندة حكومات المنطقة التي يتميز الصراع فيها بتداخل أبعاده إقليمياً ودولياً، وتسارعت وتيرة الصراع بعد تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأميركية الذي أفاد بأن المنطقة بها ثروة هائلة من النفط والغاز الطبيعي تقدر بـ122 تريليون قدم مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل احتياطي من النفط.
وصل الصراع على الغاز في حوض شرق المتوسط إلى مفترق طرق بين العسكرة، والدبلوماسية لتسوية النزاعات، وشهدت الأشهر الأخيرة ذروة عسكرة الصراع، وكادت تؤدي إلى اشتباكات بين القوات التركية واليونانية، إضافة إلى اتصالات دبلوماسية مع تركيا من خلال أميركا وأوروبا.
الأهمية الجيوسياسية للمنطقة دفعت دولها إلى قوننة أوضاعها بترسيم الحدود البحرية وفق الاتفاقية الأممية لقانون البحار عام 1982، علماً أن تركيا لم توقّع على قانون البحار، إضافة إلى الصراعات الحالية هناك صراعات قديمة مثل الصراع التركي اليوناني، والصراع العربي الإسرائيلي، والصراع التركي القبرصي.
الصراع الحالي على ثروات الطاقة شرق المتوسط تحول إلى صراع منفجر بين تركيا وكل من اليونان وجمهورية قبرص، في إطار الأطماع الأردوغانية العثمانية التي وصلت الشواطئ الليبية، إضافة إلى صراع بين تركيا ومصر والصراع المائي والنفطي القائم بين لبنان وإسرائيل.
من أهم الحقول المكتشفة في منطقة شرق المتوسط؛ حقل «مارين» في قطاع غزة حيث يصل حجم احتياطي الغاز الطبيعي فيه إلى 1.2 تريليون قدم مكعب وفي الكيان الإسرائيلي حقلي «تمار» و«ليفياثان»، أما في قبرص فيوجد حقل «أفروديت» حجم احتياطيه من الغاز يصل إلى 127.4 مليار متر مكعب، وحقل «كاليبسو» حجم الاحتياطي فيه 8 تريليونات قدم مكعب من الغاز، وفي مصر يعتبر حقل »ظهر» من أهم الحقول بحجم احتياطي 30 تريليون قدم مكعب من الغاز وهو أكبر اكتشاف للغاز في البحر المتوسط، وحقل «أتول» حجم الاحتياطي به 1.5 تريليون قدم مكعب من الغاز.
سعت تركيا إلى التنقيب عن الغاز في المناطق الاقتصادية لكل من قبرص واليونان متجاهلة القوانين الدولية، ووقعت اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع ليبيا، ومن ثم تصاعدت التوترات مع محاور الصراع، فالعلاقات التركية اليونانية متوترة منذ القدم، والعلاقات الحالية تشهد العديد من الملفات مثل ملف جزيرة قبرص وملف الحدود البحرية بين تركيا اليونان.
الموقع الإستراتيجي لجزيرة قبرص أجج الصراع التركي اليوناني، احتلت تركيا شمالي قبرص عام 1974م وأعلنته دولة «قبرص التركية» التي لا تحظى بالاعتراف الدولي، والجزء الآخر يمثل ثلثي الجزيرة هو دولة قبرص التي تحظى بالاعتراف الدولي، الصراع على الجزيرة يثير صراعاً حول حقوق التنقيب عن ثروات الطاقة، بالمقابل تتنافس تركيا واليونان على ترسيم الحدود البحرية وصراع حول حقوق التنقيب عن ثروات الطاقة المكتشفة ما يؤدي لتفاقم الصراع الذي تحركه رغبة الدولتين في السيطرة على الثروات، وتعتبر اليونان كل جزرها المأهولة محاطة بمنطقة اقتصادية حصرية على مسافة 200 ميل وفقاً لاتفاقية قانون البحار، ويدعو الاتحاد الأوروبي إلى حل النزاع مع تركيا بالحوار ويهدد بفرض عقوبات عليها إذا لم تستجب.
قامت تركيا بعقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية عام 2019 ووقعت اليونان اتفاقية مماثلة مع مصر في العام نفسه لترسيم الحدود البحرية بين الدولتين وفقاً لقواعد القانون الدولي.
تحاول الولايات المتحدة القيام بمهمة وساطة لمصلحة إسرائيل بين كل من لبنان وإسرائيل، لحل الخلاف بشأن ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، ومنح لبنان فرصة في الظروف الصعبة التي يمر بها، للبدء في استثمار ثرواته البحرية وأهمها الغاز.
من المفارقات أن الصراع على ثروة النفط والغاز في شرق المتوسط تحوّل من مجرد منافسة اقتصادية إلى تهديدات عسكرية، خريطة توزيع النفوذ بين الشركات تشارك فيه الولايات المتحدة، بعد استحواذ شركة شيفرون الأميركية على شركة نوبل إنرجي التي ستنقل امتيازاتها في التنقيب في مصر وإسرائيل وقبرص، إلى شيفرون، وبالتالي أصبحت خريطة غاز المنطقة تضم شركات أميركية وبريطانية وروسية وفرنسية، بعد أن أقر الكونغرس الأميركي في العام الماضي قانون الشراكة في الأمن والطاقة لمنطقة شرق المتوسط وتزعم واشنطن أن ذلك يوفر غطاء تشريعيا وهو عملياً حماية للأطماع الأميركية الاستعمارية، ومصالح إسرائيل في الصراع على غاز شرق المتوسط ما أوجد محورين؛ محور تركيا وحكومة طرابلس الليبية، ومحور يوناني قبرصي مصري وبمشاركة غير مباشرة لإسرائيل.
في هذا السياق تشكل منتدى غاز شرق المتوسِّط في القاهرة، عام ٢٠١٩، بمشاركة مصر وإسرائيل واليونان وقبرص اليونانية وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية وبرعاية أميركية، بأبعاده الجيوسياسية والجيواقتصادية والأمنية، ويبقى تصريف الإنتاج في الأسواق العالمية تحكمه عوامل جيوسياسية وتجارية، الاتحاد الأوروبي يعتمد بشكل كبير على روسيا لتزويده بالغاز الطبيعي، وجدت أوروبا في غاز شرق المتوسط المكتشف فرصة لتنويع مصادر الغاز المستورد وهو أمر خطر بالنسبة لروسيا أكبر مصدري الغاز الطبيعي لأوروبا.
وفي هذا السياق تعمل دول الاتحاد بالمشاركة مع واشنطن على مد خط أنابيب لنقل الغاز من الحقول الإسرائيلية والقبرصية إلى اليونان لربطها بشبكة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الأوروبية، بتكلفة 6 مليارات يورو، ويشك كثير من الخبراء في أن خط الأنابيب هذا سيرى النور لأن تكلفة الاستخراج عالية إضافة إلى تعقيدات فنية وتمويلية كبيرة.
بموجب مذكرة التفاهم التي وقعها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع حكومة الوفاق الليبية، تحصل تركيا على الحقوق الحصرية للمنطقة الاقتصادية الممتدة من جزيرة كريتا حتى قبرص، أما حكومتا أثينا ونيقوسيا فقد احتجتا، والاتحاد الأوروبي أيدهما.
في سياق هذه التحرُّكات الإقليمية تركيا ترى نفسها معزولة، وخاصَّةً في ظلِّ تدهور علاقاتها الرسمية مع مصر، وموقفها العدائي من قبرص اليونانية، والإرث السلبي مع اليونان.
قي إطار هذا الصراع يحاول أردوغان الخروج من عزلته والتقارب مع مصر ودول أخرى، والمراقبون يرون أن استدارة أردوغان التكتيكية الانتهازية لن يحالفها النجاح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن