من دفتر الوطن

أنا… والبخيل!

| عصام داري

من فضل ربي علي أنه وضع في دروبي على مدى عمري مجموعة من البخلاء كي أتعرف إلى الفوارق بين الكريم والفقير، وكذلك بين الغني والفقير.
منذ ما يزيد على خمس عشرة سنة وأنأ أفكر في تأليف كتاب أسمّيه «البخلاء/2» للتفريق بينه وبين كتاب البخلاء للجاحظ (776 م-868 م) لأن الأخ الجاحظ لو عاد إلى الحياة وشاهد بخلاء هذا العصر لاستشاط غضباً وربما انتحر لأنه لم يضم هؤلاء إلى كتابه.
وعندما أحمد اللـه على أنه وضع عدداً من البخلاء في طريقي فذلك لأنه منحني نعمة الكتابة عن البخل، وكما قال الشاعر(الضِدّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِدُّ) مع أننا لسنا في وارد الحديث عن الحسن والجمال والخصال الحسنة، بل بالعكس.
وأنا هنا لن أتحدث عن بخلاء سمعت عنهم الروايات، ولا عن بخلاء الجاحظ نفسه، بل عن بخلاء عرفتهم عن قرب، ولمست بخلهم لمس اليد.
من بين البخلاء الذين مروا في حياتي، شخص يمتلك ثروة طائلة، عنده عدة بيوت في دمشق، وبعض المزارع في ريفها، وعنده سيارة واحدة من النوع الموفر للبنزين، فالعشرون ليتراً تكاد تفسد بسبب بقائها في خزان الوقود زمناً قياسياً غير مسبوق!
دعاني وزوجتي مراراً إلى قضاء يوم في مزرعته الغناء في ريف دمشق الجميل، وكنت أعتذر بلباقة وتهذيب، لأنني أعرف بخله ولا أريد الدخول في تجربة جديدة تحرق أعصابي، وتجعلني أتوتر وأغضب وأصاب بالإحباط والكآبة!
لكنني، وتحت إلحاح زوجتي التي أصرت إصراراً، سلمت أمري لله ووافقت على تلك الرحلة المشؤومة!
أخبرونا قبل يوم من (السيران) أنهم سيحضرون فراريج لشيّها في المزرعة، وأنهم سيأتون في ساعة محددة صباح اليوم الموعود ليصطحبونا بسيارتهم التي تتحرك ببطء سلحفاة كي توفر البنزين، وهذا حقهم المشروع.
وفي الساعة المنتظرة وصل سبع البرنبة! وترجلت زوجته المصون من السيارة وقرعت الباب وبادرت زوجتي بالقول:
– تقبري قلبي.. لم نجد فراريج في السوق، يا ريت تحضري من عندك «كمشة برغل وكف عدس وقنينة زيت بلدي) كي نطبخ مجدرة، ولا تنسي تجيبي كم بصلة!
أمرنا لله، حضرت زوجتي لوازم المجدرة كاملة، وتحركت على مضض، وأنا أسأل نفسي ساخراً(هل أقفلت محال بيع الفراريج أبوابها اليوم بالذات؟أم أوقفت مزارع إنتاج الدجاج نشاطها لأن صديقي البخيل قرر شراء فروجين لزوم الوليمة اللئيمة)؟
لكم أن تتصوروا بعد ذلك ما حدث معنا في (سيران العذاب) من صنوف البخل في كل شيء، يكفي أن تعلموا أنني وزوجتي ساعدناهم في فصفصة الفول والبازلاء وورق العنب، بل إن زوجته أعطتني كيساً كبيراً وطلبت مني جمع الجانيرك من الشجر مع تنبيهي بعدم الاقتراب من نصف المزرعة لأكتشف بعدها أنني قطفت الجانيرك من مزرعة الجيران!
منذ يومين وردني فيديو قصير عن عجوز لبنانية كانت تتسول في الشوارع فاكتشفوا بعد موتها أنها تملك الملايين، وكذلك الكشف عن متسولة مصرية تمتلك الملايين، وهذه المرأة اكتشف أمرها وهي على قيد الحياة.
سؤال لهؤلاء:هل ستأخذون الأموال معكم إلى القبر؟أم إنكم تقلدون الفراعنة القدامى الذين كانوا يدفنون كنوزهم معهم!
يقولون عن البخلاء:عاشوا فقراء وماتوا أغنياء، ولم يتمتعوا بنعم الحياة، وإذا أردت المزيد من الأمثلة فلن أنتهي اليوم، لذا سأكتفي بذلك.. وقد أؤلف كتاب(البخلاء/2) والجاحظ مو أحسن مني!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن