منذ انتصار سورية وحلفائها على الحرب الكونية التي شنت ضدها في آذار 2011 طوال سنوات عشر، لاحظ معظم المحللين في إسرائيل وغيرها، أن أزمة إسرائيل الداخلية بدأت تستعصي على الحلول في تشكيل حكومة ائتلافية في السنتين الماضيتين وأجبرها تفاقم الأزمة على إجراء أربع دورات انتخابية للكنيست (البرلمان)، ولاتزال دوامة الانتخابات تلازمها حتى الآن وهذا ما يدل بحد ذاته على وجود تناقضات وعوامل تعتري علاقات أحزابها وقياداتها من جهة وعلاقات الحكومة من الجهة الأخرى بالمستوطنين.
ولذلك ليس من المبالغة الاستنتاج بأننا بدأنا نشهد في هذه المرحلة مضاعفات متزايدة لأزمة إسرائيل الداخلية بعد فشلها في تحقيق أهدافها ضد محور المقاومة وأخذت تزداد مظاهرها تعقيداً في كل هذا الكيان ومستقبله والأسباب واضحة وأهمها: أن الصاروخ السوري ووصوله إلى منطقة قريبة من مفاعل إسرائيل النووي سوف يغيّر كل موازين القوى ضدها وسوف تجد نفسها محاصرة وعاجزة عن فك هذا الحصار الداهم والمتواصل من قوى محور المقاومة وهي لا تستطيع حصارنا بل نحن الذين نحاصرها.
فهي تواجه الآن وفي كل وقت جبهة الشمال التي يعزز محور المقاومة قدراتها العسكرية الدفاعية والهجومية كما تواجه تصعيداً متزايداً داخل جبهتها في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وخاصة في القدس المحتلة، وتواجه فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومبادرة الفصائل بإطلاق القذائف على مستوطنات غلاف قطاع غزة اصطفافاً إلى جانب جبهة الانتفاضة الفلسطينية في مدينة القدس.
وقد كشف المراسل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوآف زايتون أمس أن القبة الحديدية المضادة للصواريخ المنتشرة قرب مستوطنات غلاف غزة لم تستطع إسقاط جميع الصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة من القطاع وأن 22 بالمئة من هذه الصواريخ والقذائف سقطت باتجاه المستوطنات واعترف أن هذا يشكل نجاحاً جزئياً حتى لو لم يسبب خسائر بشرية ولاحظ أن الفصائل الفلسطينية تمكنت من تحسين دقة إصابتها للأهداف وتطوير بعض الصواريخ على غرار ما فعله حزب اللـه وحقق بواسطته ردعاً متوازناً مع إسرائيل في جبهة جنوب لبنان وحذر المراسل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» من خطورة هذا التطور.
ولا شك أن هذه الصورة التي تظهر في الوضع الإسرائيلي تدل بوضوح على أن كل سياسات البالونات التي أطلقتها إسرائيل إعلامياً حول تطبيع علاقات بعض الدول العربية معها، وحول ضم القدس والجولان العربي السوري، والإعداد لضم المستوطنات في الضفة الغربية، لم تؤد إلى زيادة قوة إسرائيل العسكرية أو السياسية لإخضاع المنطقة، فهي ليست محاصرة من أربع جبهات حرب فقط، جبهتا الشمال وجبهة الضفة الغربية وانتفاضتها وجبهة الجنوب الإسرائيلي من قطاع غزة، وهو ما نشهده الآن، بل هي عاجزة عن إنهاء هذا الحصار الذي فرضته عليها قوى وأطراف المقاومة وهذا الحصار يولد مضاعفات مذهلة في نتائجها على استقرار الكيان الإسرائيلي ولا يمكن حتى للولايات المتحدة الحليف الأكبر لإسرائيل زعزعته برغم حصارها لهذه القوى الأربع التي تحاصر إسرائيل بجبهات مقاومة تتطور ولا تضعف ولا يمكن كسر إرادة أطرافها.
إن الولايات المتحدة نفسها تتعرض لسياسة تراجع مستمرة في المنطقة أجبرت عليها منذ هزيمة مخططها ضد سورية، كما تدفع ثمن هزيمة الحلفاء المحليين الذين راهنت عليهم من المجموعات الإرهابية ومن الدول الحليفة لها في الشرق الأوسط وقد ولد التراجع في نفوذها ضعفاً وعجزاً في قدرة الدول الحليفة لها على حماية مصالحها بسبب أزمة العلاقات التي تستشري أعراضها ونزاعاتها بين هذه الدول الحليفة، وها هو الرئيس الأميركي جو بايدن يتعرض لضربة في أوكرانيا على يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويعجز عن تحقيق أهدافه من تحريض أوكرانيا على الاشتباك مع روسيا مثلما يعجز عن التخفيف من أزمات إسرائيل المحاصرة من جبهات المقاومة من الشمال والوسط والجنوب بل ويعجز عن حل الأزمة المستمرة في العلاقات بين دول الخليج.
ويؤكد بعض الخبراء في السياسة الأميركية أن بايدين لم يستطع حتى الآن حماية حلفائه ودفعهم للثقة بقوة الولايات المتحدة وهذا ما يزيد من تفاقم أزمة حلفائه وخاصة في إسرائيل وتركيا وأوكرانيا ومنطقة الخليج وهذا ما يؤكد أن الزمن ما زال يعمل لصالح قوى وأطراف محور المقاومة واستمرار دوره في حماية شعوب المنطقة والدفاع عن مصالحها.