قضايا وآراء

بايدن وتركيا.. الضرب تحت الحزام

| منذر عيد

بعيداً عن تداعيات ونتائج الاعتراف القانونية، وما يمكن أن ينتج عنه من رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأميركية للتعويض أو التجريم، فقد شكل اعتراف الرئيس الأميركي جو بايدن بأن المجازر التي طالت مليون ونصف المليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى على يد الإمبراطورية العثمانية إبادة جماعية، صفعة جديد لرئيس النظام التركي رجب أردوغان، خاصة وأن أردوغان تلقى نبأ الاعتراف من بايدن شخصياً في أول اتصال هاتفي معه، وكان الأول يمني النفس بأن يكون بداية لمرحلة جديدة، بعد طول انتظار له، وليزيد الاعتراف على ملف الخلافات بين البلدين، قضية إشكالية أخرى تضاف إلى صفقة صواريخ s400 الروسية والعديد من الخلافات الأخرى فيما يخص سياسة أنقرة الخارجية خاصة في المنطقة، وتعاملها في الشأن الداخلي فيما يتعلق بالحريات وحقوق الإنسان.
يقلل الكثير من تداعيات الاعتراف، إلا أن ذلك لا يجرده من أهميته الاستثنائية، لجهة المكانة والتأثير التي تشغلها الولايات المتحدة الأميركية في القرار العالمي، إضافة إلى أهميته كون بايدن أول رئيس أميركي يعترف بالمجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية، حيث تجنب جميع أسلافه الخوض في غمار هكذا اعتراف مخافة الدخول في توترات مع «حليف الناتو»، وبالمقابل فإن ذلك الاعتراف يضع الولايات المتحدة الأميركية في خانة «اليك»، إذا ما تساءل البعض ماذا بخصوص إبادة الهنود الحمر على يد أسلاف وأجداد بايدن؟ الأمر الذي ألمح إليه المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في رده على اعتراف بايدن: «ننصح الرئيس الأميركي بالنظر إلى ماضي بلاده وحاضرها».
في الحقيقة من يقرأ صفحات التاريخ، ويقارن الفعل الذي ارتكبه أجداد بايدن في الهنود الحمر السكان الأصليين لأميركا من مجازر، وقتلهم أكثر من مئة مليون شخص منهم، بطرق وأساليب تقشعر لها الأبدان، وبين ما فعله أجداد أردوغان من مذابح بحق الأرمن، وبالأساليب والطرق ذاتها، يجد الشبه حد التطابق في العمل الإجرامي، والإبادة بحق كل من الهنود الحمر والأرمن، فهل يقر ويعترف الرئيس الأميركي بأن ما جرى بحق الهنود الحمر هو إبادة جماعية.
يدرك بايدن دور تركيا الوظيفي في إستراتيجية «الناتو»، لذلك من المتوقع ألا يأخذ قرار الاعتراف أبعاداً أكثر من الحالة الإنسانية والتعاطف مع الأرمن، وهو ما يؤكده المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي، حين قال: «لا نتوقع أن تشهد العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة وتركيا أي شكل من أشكال التراجع»، إضافة إلى أن قرار الاعتراف شكل بصورة أو أخرى ضربة للنظام التركي «تحت الحزام»، ورسالة مفادها إن ثمة الكثير من الأوراق التي يمكن لواشنطن الضغط بها على أنقرة، حينما تفكر بالجنوح بعيداً عن مربطها في الحظيرة الأميركية.
رغم الاعتراف الدولي بالمذابح التي ارتكبها العثمانيون بحق الأرمن، ينكر أردوغان حصولها كنوع من الإبادة، ويتنصل من الاعتراف بها، في تأكيد على أن تركيا لم تخلع حتى الساعة ثوب العثمانية؛ بل إن رئيس النظام التركي يتغنى في كل مناسبة بأمجاد أسلافه العثمانيين؛ حتى بلغ به الوهم أن يطلق مشروعه الاستعماري تحت يافطة «العثمانية الجديدة»؛ وهو من قرر سابقاً تدريس اللغة العثمانية في المراحل الثانوية، كما أعاد عزف النشيد العثماني في بروتوكولات الاستقبال الرسمية في القصر الجمهوري بدلاً من النشيد التركي، وكل ذلك يفسر سبب الاستنكار المتعاظم لأي إدانة تصدر من أي طرف تجاه «السلطنة العثمانية»، حيث يعتبر أردوغان نفسه وريثا لها، وهو ما دفعه إلى التدخل في شؤون كل من ليبيا وسورية واليمن والصومال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن