قضايا وآراء

مرة ثانية عن 4 نيسان الأردني

| عبدالمنعم علي عيسى

يبدو أن ثمة تماهٍياً شبه تام فيما بين المواقف المعلنة، وتلك المبطنة، التي تعتمدها عمان أقله تجاه «صفقة القرن» المصطلح الذي سيعبر عن خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لإنهاء الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والتي أعلن عنها هذا الأخير بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أواخر شهر كانون ثاني من العام الماضي، بعد انتظار طال أمده لعامين كاملين شهدا الكثير من المداولات الأميركية مع طرفي الصراع، وكذا مع دول عربية أخرى ذات صلة مباشرة بهذا الأخير.
حالة التماهي سابقة الذكر ما بين المعلن والمستتر الأردنيين هي سلوك سياسي لم تعهده عمان، لربما منذ الإعلان عن قيام إمارة شرق الأردن في عام 1921، وتلك حالة ناجمة، دون أن يعني ذلك تبريرا، عن وضع جيوسياسي حساس فرضته حدود هي الأطول مع الكيان الإسرائيلي، وكذا وظيفية الكيان الذي أضحى الاستقرار فيه رهين السياسات التي ينتهجها، وفي الذروة منها سياساته تجاه الصراع العربي- الإسرائيلي، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرات الاقتصادية والبشرية للأردن التي يمكن القول في توصيفها: إنها «متواضعة» على أفضل تقدير، ناهيك عن نسيج ديموغرافي ترجح فيه نسبة الفلسطينيين على الأردنيين، حتى إن السلطات الأردنية لم تجرِ، أو على الأقل لم تعلن عن أي إحصاء رسمي يحدد نسبة أحدهما للآخر، في مؤشر يؤكد حالة الرجحان سابقة الذكر، ولذاك حساباته شديدة التعقيد في صناعة القرار السياسي الأردني، والخيارات التي يمكن أن تذهب إليها عمان تجاه مشروع تنظر إليه على أنه «نسخة منقحة» من مشروع سبق وأن جرى طرحه، وهو يرمي إلى أن تصبح الجغرافيا الأردنية الراهنة وطناً بديلاً للفلسطينيين.
لربما يمكن النظر إلى «التململ» المزدوج الأميركي- الإسرائيلي من مواقف عمان التي تبدو قاطعة تجاه ذلك المشروع – الصفقة، على أنه دليل قاطع على صحة فرضية «التماهي» سابقة الذكر ما بين المعلن والمستتر الأردنيين، فالمؤكد هو أن ذلك التململ المزدوج كان قد سعى قبيل فترة، يصعب تحديدها، لاستمالة السعودية وجعلها مركزاً لـ«الهزة» التي شهدتها عمان يوم 4 نيسان الجاري، عبر التلويح لها بإمكان نقل الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس من العرش الهاشمي إلى العرش السعودي، في مقابل مساعدة الأخير في حدوث انتقال هادئ للسلطة داخل الأسرة الهاشمية الحاكمة يؤمن «مرونة» أكبر في تعاطيه مع الصفقة.
نقلت «أ ف ب» في 17 نيسان الجاري عن مسؤول أمني أردني رفيع المستوى، دون الكشف عن اسمه، أن «محاولة الإطاحة بالملك عبدالله الثاني كان مخططاً متعدد الأطراف، وانقلاباً كبيراً ومعقداً بكل المقاييس»، وفي السياق أكد المصدر نفسه تورط الإسرائيليين والسعوديين في ذلك المخطط، بل وأشار إلى تورط السفير الأميركي في عمان هنري وستر، الذي سبق وأن توجست عمان من تعيينه سفيراً لديها بعد أن قال في جلسة تعيينه في أيار من العام 2020: إن «إسرائيل لا يمكن أن تحافظ على كيانها من دون الأردن، ولا الأردن قادر على الاستمرار اقتصادياً، والحفاظ على ثباته وأمنه من دون إسرائيل صديقة».
هذا الوضوح الأميركي هو الذي قاد عمان نحو محاولة الانخراط في مشروع «المشرق الجديد» الذي يضمها جنباً إلى جنب مع كل من العراق ومصر، وهو يقوم على ركائز ثلاث هي الثقل البشري الوازن الذي تملكه الأخيرة، في حين تملك الثانية، أي العراق، احتياطياً نفطياً من بين أعلى الاحتياطات في العالم، في حين يبقى للأردن ثقلها التاريخي المتولد من الوصاية التي تتمتع بها على المقدسات في فلسطين.
هذا المشروع بدأت ملامحه بالتبلور فعلاً حتى قبيل الإعلان عنه رسميا، وهو تمثل بتفعيل بعض المشاريع الاقتصادية بين البلدان الثلاثة من نوع مد خطوط الغاز، والربط بين الشبكات الكهربائية وتفعيل عمليات تصدير الطاقة، لكن من الواضح أن ثمة تباينات لاتزال قائمة بين الأطراف وهي التي حالت من دون انعقاد قمة ثلاثية كان من المقرر عقدها شهر آذار الماضي، والتي كان من المفترض أن تحمل «جنين» ذلك المشروع الذي تراهن عليه عمان بالدرجة الأولى لاعتبارات عدة أبرزها أنه يمكن أن يساعدها في الخروج من الدوران الإلزامي في الفلك السعودي الذي تفرضه المساعدات السعودية التي غالباً ما تكون ذات أثمان سياسية، ومنها أنه يمكن أن يساعد عمان أيضاً في التفلت جزئياً من الضغوط الأميركية بسقوف محددة، خصوصاً أن هذي الأخيرة التي تمارس على عمان راهناً، فيما يخص «صفقة القرن»، يمكن أن تصل إلى التهديد بإلغاء الكيان الأردني بشكله المعروف اليوم.
لكن لربما تشكل هذه الاندفاعة الأردنية في هذا الاتجاه «وبالاً» جديداً على أصحابها، فمن الواضح أن تل أبيب تبدي قلقا تجاه مشروع كهذا، خصوصاً أنه قد يحظى بـ«رضا» إيراني سوري في آن واحد، ولذا فإن الاحتمالات وفق هذا السياق قد تشير إلى إعادة الكرة من جديد، وعدم الوقوف عند «خيبة» الطلقة التي أخطأت هدفها في المرة الفائتة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن