كيف يتغير المناخ في سورية؟ … تراجع المعدلات المطرية سيسهم في تراجع الإنتاج وتدهور الغطاء النباتي … زيادة ملحوظة في درجة حرارة فصل الصيف ويتوقع أن يكون معدل الاحترار في سورية عام 2041 أعلى من المعدل العالمي
| هني الحمدان
تؤكد الأبحاث أن الارتفاع والانخفاض في درجات الحرارة وموجات الجفاف المتكررة نتيجة التغيرات المناخية، ستؤدي إلى تراجع الإنتاجية الزراعية، وسوف تتسبب في زيادة الآفات وأمراض النبات.
ويصف الأستاذ رائد حمزة مدير مركز السياسات الزراعية أن التغيرات المناخية مشكلة عالمية طويلة الأجل وليست ظاهرة جديدة بحد ذاتها، تنطوي على تفاعلات معقدة لها تداعيات اقتصادية واجتماعية وقد تكون سياسية حيث إن ارتفاع الحرارة وانخفاض كميات الهطل المطري في بعض المناطق والفيضانات في مناطق أخرى والجفاف والأعاصير أيضاً تعد كلها دليلاً واضحاً على التغيرات المناخية، حيث قامت العديد من الأبحاث والدراسات بدراسة التغيرات المناخية وتحليل أسبابها ورصد آثارها على مناطق مختلفة في العالم، وسورية ليست بمعزل عن هذه التغيرات وتعرضت كغيرها من البلدان لهذه الآثار على مدى السنوات السابقة كما تشكل التغيرات المناخية إحدى أهم التهديدات للتنمية المستدامة على الدول الفقيرة والنامية على الرغم من كونها لا تسهم بنسبة كبيرة من إجمالي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وبسبب هشاشة اقتصاديات هذه البلدان في مواجهة تهديدات التغيرات المناخية للضغوط المتعددة التي تضاف إلى قدرات تكيف ضعيفة فإنها ستكون من أكثر المناطق عرضةً للتأثيرات المحتملة للتغيرات المناخية العالمية وتفاعلاتها المختلفة والتي تشمل ازدياد حدة التصحر وشح الموارد المائية وتغير الهطول المطرية والتطرف في درجات الحرارة، والذي يترتب عليه تدهوراً في الموارد البيئية والطبيعية، ولا تخرج المنطقة العربية بما فيها سورية عن السياق السابق بحكم امتدادها الجغرافي وبفعل تباين بناها الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى تدهور الموارد الطبيعية، وذلك على الرغم من أنها ليست مساهماً رئيسياً في انبعاث غازات الاحتباس الحراري. وتفيد تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومئات المراجع ومن بينها تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية (AFED) أن التغير المناخي سيؤثر في جميع بلدان العالم وأقاليمه وبلا استثناء من حيث: ارتفاع درجة الحرارة – تبدلات في أنظمة الهطول المطرية – وقوع كوارث مناخية متكررة شديدة الضرر (حرائق الغابات والمحاصيل في روسيا، وفيضانات الباكستان في صيف 2010)- تأثر المناطق الجافة بشدة، وخاصة منها البؤر الحساسة أو الهشة والآثار المدمرة التي ستتعرض لها (المنطقة الشمالية الشرقية من سورية).
تصنف التغيرات المناخية بين تلك التي تحدث في أيام وشهور (تقلبات مناخية)، وتلك التي تحدث خلال سنوات وعقود من الزمن (أي تغيرات مناخية)، وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصطلح تغير المناخ (climate change) يشير وبحسب استخدامه من قبل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) عام 2007 إلى أنه تغير في حالة المناخ يتجلى بتغير المتوسطات الحسابية للعناصر المناخية خلال فترة زمنية طويلة (عقد أو أكثر)، وهي التحدي الأصعب حيث لا تزال إجراءات التكيف مع مثل هذه الحالة ضعيفة نسبياً خاصة في الدول التي لا تمتلك رؤية واضحة حول التنبؤات المستقبلية لتغيرات المناخ وليس لديها خطط التصدي والتكيف مع تلك التغيرات، علماً بأن المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بالمناخ قد تنبهت لمسألة التغيرات المناخية منذ عقود وشكلت فرقاً فنية تعنى بهذه المسألة وتحديد أثرها على الزراعة والأمن الغذائي، فمنظمة الأغذية والزراعة «الفاو»، كشفت عن أن تغيُّرات المناخ تهدد قدرة على تحقيق الأمن الغذائي العالمي، والقضاء على الفقر، وتحقيق التنمية المستدامة، وقد عزت بأن انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن النشاط البشري هي سبب رئيسيّ لهذه التغيرات المناخية.
التغيرات المناخية في سورية
تشير التقارير الفنية حسب ما أكده حمزة إلى أن التغيرات المناخية في سورية تتجلى أولاً في تغير نظام الهطول المطري، حيث لوحظ تناقص في الهطول المطري في فصل الشتاء في المناطق الشمالية الغربية وازدياد الهطول في فصل الخريف في المنطقة الشمالية الوسطى، مما يؤدي إلى انخفاض في كمية مياه الجريان السطحي وفي مخزون المياه اللازمة للزراعة والصناعة ومياه الشرب ويجعل نوعية المياه سيئة بسبب زيادة ملوحتها، وكذلك زيادة في اتجاهات درجة حرارة الهواء السطحية، فوفق تقرير صادر عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة، أن هنالك زيادة ملحوظة في درجة حرارة فصل الصيف ويتوقع أن يكون معدل الاحترار في سورية لعام 2041 أعلى من المعدل العالمي، وأن يحدث احترار مابين (2 – 2.1 درجة) في المناطق الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية في حين أن أدنى احترار (1 – 1.2 درجة) سيسود في بقية المناطق، كما يتوقع أن تسجل أعلى زيادة للتهطال في فصلي الخريف والصيف في جميع المناطق، وحسب التقرير ذاته الذي توقع ارتفاع مستوى سطح البحار، حيث من المرجح أن تغمر مساحات في المنطقة الشاطئية خلال العقود المقبلة، وتشمل الآثار المادية لارتفاع منسوب سطح البحر غمر وانزياح الأراضي المنخفضة والأراضي الرطبة، زيادة ملوحة التربة، زيادة تآكل السواحل، زيادة فيضانات المنطقة الساحلية.
ومن خلال رصد الظواهر المناخية التي حصلت خلال الفترة 2006-2020 لوحظ تكرار حالات عدة من الرياح الشديدة بلغ عدد تكراراتها 49 مرة، أمطار غزيرة وبرد 45 مرة، والصقيع وبرد 54 مرة، أما الحرائق فبلغت 22 مرة ما عدا الحرائق التي حصلت خلال العام الفائت، وغيرها من الظواهر التي تشكل خطراً فعلياً على القطاع الزراعي وتسببت في أضرار معنوية على الإنتاج الزراعي وخاصة أنها تتكرر لعدة مرات في بعض الأعوام.
الجفاف والتغير في فترة دورته
يعد الجفاف جزءاً من التغير المناخي، فحسب تقرير لمنظمة الزراعة والغذاء صادر خلال العام 2009، فقد شهدت سورية العديد من السنوات الجافة كان أشدها فترة الجفاف التي امتدت من 2007 إلى 2009 حيث تعرضت سورية لأسوأ موجة جفاف عام 2007 منذ خمسينيات القرن الماضي وبلغ الجفاف ذروته في شتاء 2007- 2008، وقد تكررت هذه الظاهرة خلال الأعوام التالية فحسب المؤشرات التي تعتمدها الهيئة العامة للاستشعار عن بعد كمؤشر VHI (مؤشر صحة النبات) ومؤشر SPI (دليل الهطول المطري القياسي) واللذين يشيران مجتمعين إلى حالة الجفاف فوفق هذين المؤشرين لوحظ تكرر حالة الجفاف خلال الأعوام 2012-2014 وأيضاً 2018.
وما يميز ظاهرة الجفاف كأحد أشكال التغير المناخي هو فترة تواتره (أي دورة الجفاف)، فسابقاً كانت هذه الظاهر تتكرر على فترات طويلة قد تمتد لخمسين عاماً، لكنها تقلصت إلى 27 عاماً ثم انخفضت أكثر لتصبح 13 عاماً لتصل حالياً إلى 7 أو 8 أعوام بل أصبح ربما أقل من ذلك، وهنا تكمن خطورة الجفاف على الإنتاج الزراعي حيث قصر دورة الجفاف تعوق حالة التعافي من أثاره بسهولة.
وعلى الرغم من عدم وجود دراسات فنية تبين مدى مساهمة التغيرات المناخية في تراجع الإنتاجية الزراعية نظراً لمساهمة عوامل أخرى إلى جانب التغيرات المناخية كغياب مستلزمات الإنتاج كالأسمدة والبذار المحسن نتيجة الحرب المستمرة منذ 10 أعوام، إلا أن مما لا ريب فيه أن تراجع المعدلات المطرية وارتفاع درجات الحرارة وغيرها من الظواهر المناخية ساهمت في تراجع الإنتاج وتدهور الغطاء النباتي وخاصة في الزراعات البعلية والمراعي الطبيعية وأثرها السلبي على الإنتاج الحيواني.
أهم التهديدات التي تواجه القطاع الزراعي نتيجة التغيرات المناخية هو تراجع إنتاج المحاصيل الغذائية التي تسهم في الأمن الغذائي وعلى رأسها القمح والبقوليات الغذائية، وتراجع معدلات الاكتفاء الذاتي من هذه السلع ما يرتب على الحكومة أعباء تأمين هذه السلع عن طريق الاستيراد خاصة في ظل زيادة الطلب نظراً لارتفاع معدلات النمو السكاني مقابل محدودية الموارد الطبيعية المتاحة من أراضي زراعية ومياه.
ومن النتائج الأخرى للتغيرات المناخية انتشار العديد من الأمراض النباتية الفطرية، وكذلك الإصابات الحشرية المختلفة، حيث درجات الحرارة المرتفعة تسببت أيضاً في زيادة عدد الأمراض الفطرية التي تصيب الكثير من المحاصيل كالقمح والخضار، فمرض صدأ أوراق القمح هو مرض فطري يصيب بعض المحاصيل الزراعية مثل القمح، وينشط مع الرطوبة العالية وموجات الصقيع والفترات الممطرة الطويلة، وتسبَّب في نقص كبير في الإنتاجية لبعض الأصناف ضعيفة المقاومة.
البحوث الزراعية أمام تحديات كبيرة
إن القطاع الزراعي سيواجه انخفاضاً في الإنتاج الزراعي إذا لم يجرِ اتخاذ تدابير كافية للتكيف، ويضيف حمزة:إن التكيُّف مع تغيُّر المناخ قد يكون فعلاً تلقائياً، وذلك بالتربية لاستنباط الأصناف تحت الظروف ذاتها التي من الممكن أن يكون حدث فيها تغير، وهنا لا بد من ضرورة مضاعفة الإنفاق على البحوث الزراعية، خصوصاً البحوث المتعلقة باستنباط الأصناف وتطويرها، وخاصةً الأصناف المتحملة للجفاف والملوحة والمقاومة للأمراض والآفات وكذلك تركيز النشاطات البحثية على استنباط أصناف قصيرة العمر، ويتعين إعداد سياسة للتكيُّف مع التأثيرات المعاكسة لتغيُّر المناخ على الزراعة، كما يتعين أن تركز هذه السياسة على 3 مجالات: إدارة المحاصيل، وإدارة المياه، وإدارة الأراضي، أما الخيار المفضل للتكيف مع زيادة درجات الحرارة فهو الري، على أن يتم التركيز على تطبيق الممارسات الزراعية الجيدة كمواعيد الزراعة والري والخدمات الأخرى للمحصول وتفادي الارتفاعات غير المتوقعة في درجات الحرارة. وللتكيف مع نقص مياه الأمطار، لا بد من زراعة أنواع محاصيل أقل تطلباً للمياه مع ضرورة كفاءة استخدام المياه وخيارات الإنضاج المبكر المتنوعة.