قضايا وآراء

مرض بعض المعارضة السورية الذي لا شفاء منه

| د. بسام أبو عبد الله

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية في السادس والعشرين من شهر أيار الحالي، تطرح بعض الأوساط الإعلامية والسياسية سؤالاً مهماً: أين المعارضة السورية من هذه الانتخابات الرئاسية؟ والحقيقة أن هذا السؤال قد يستفز جزءاً مهماً من الشارع السوري الذي يعتبر أن كل أنواع المعارضة السياسية في زمن الحرب هي شكل من أشكال الخيانة الوطنية، وأن الشارع السوري قَرِفَ من مصطلحات مثل «الثورة، الحرية، والمعارضة… الخ»، وأصبح ينظر بازدراء لمجرد طرح السؤال بهذه العلانية، لأن الأمر محسوم لدى قسم وازن من السوريين بأن معارضة الخارج مجموعة خونة ومرتزقة، تآمروا على بلدهم وشعبهم، وكانوا أحد أحصنة طروادة فيما عاشه السوريون من حرب فاشية لم يسبق لها مثيل في التاريخ.
دعوني هنا آخذ دور محامي الشيطان لأقول: لا يستطيع أحد أن يعتبر أنه لا معارضة سياسية في سورية؟ ولكن دعونا نفصّل فيها بعد أن تحولت إلى مهنة من لا مهنة له، فـبتنا لا نعرف لماذا يعارضون؟ وما الذي يعارضونه؟ وما القوى التي تحرك هذه المعارضة؟ ومن أجل ماذا؟
من حسن حظي أنني كنت أتصفح إحدى الصحف التي تمول من إحدى دول الخليج العربي، وإذ بمقال لأحد المعارضين السوريين عنوانه: «خريطة راهنة لمعارضة ضعيفة»، والمقال طازج بتاريخ أمس الأربعاء 5 أيار الجاري، حيث يستعرض واقع المعارضات السورية في الخارج والداخل، ويشير إلى ثلاثة هياكل:
1-الهيئة العليا للمفاوضات: التي يتهم أعضاؤها بعضهم بعضاً بالعمالة لقوى إقليمية ودولية، «والحقيقة أن السعودية أغلقت مكاتب هؤلاء العملاء حسب وصفهم لبعضهم البعض، وأبقت على ثلاثة موظفين إداريين فقط»، وهنا لن أعلق على شيء، والكلام ليس لي إنما لهذا المعارض السوري.
2- الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة: الذي حصل على دعم دولي وعربي، وفتحت له مكاتب في الخارج، ويتهمه هذا المعارض بأن المسؤولين فيه «يدوّرون المناصب» أي يبدلون الطرابيش، وتطغى عليه نزعة الأسلمة «يقصد الأخونة» والتطييف، إضافة إلى قضايا أخرى خجل منها «مثل الفساد، والسقوط الأخلاقي»، ويتهمهم بالانفصال عن الواقع، وأنه لا عمل لهم سوى إصدار البيانات التي لا تقدم ولا تؤخر، ويكتفون باقتسام جزء من أرض الوطن مع «قسد» و«جبهة النصرة» الإرهابية، وواجهة حكومة مؤقتة لا تمون على أحد، ووزنها يساوي صفراً.
3-هيئة التنسيق الوطنية: التي تعمل من دمشق فـيصفها بأنها تُقاد من نخبة هرمة لم تطور أداءها السياسي والتنظيمي، ولم تخرج من أسر أكبر أحزابها «الاتحاد الاشتراكي»، أي إنها جثة هامدة تتحرك، ولا وزن جماهيرياً لها.
يخلص هذا المعارض الفذّ ليخبر السوريين بالخبر الصادم أن معارضتهم تعاني المرض، وتردي الأوضاع، وأن مرضها قاتل يصعب الشفاء منه! وفي صحيفة تابعة لدولة تعلن أنه تم دفع مئات ملايين الدولارات على هؤلاء المرضى الذين لا شفاء لهم ولأمراضهم، ومرضهم قاتل- قاتل!
الآن: ما المخرج من هذه الحالة؟ يطرح هذا الجهبذ المعارض حلاً سحرياً يتمثل بالآتي: الحاجة لخلق معارضة جديدة تسهم بالحل مع المجتمع الدولي، وليس مع نظام الأسد، وفقاً لعبارته، لإعادة بناء سورية!
لقد تقصدت أن أنقل ما قاله وكتبه وهو بكامل قواه العقلية، من أن المطلوب اجتماع عاجل لدول العالم من أجل إعادة إحياء الجثث الهامدة، أو المعارضة المصابة بمرض قاتل لا شفاء منه، أي إحياء العظام وهي رميم!
تخيلوا أيها السادة أنه بعد عشر سنوات من حرب فاشية على سورية، وإنفاق مئات مليارات الدولارات على تدمير سورية، وهؤلاء بأنفسهم كمعارضين كانوا إحدى أدواتها، يعود البعض لطرح نفسه على طاولة النخاسة الدولية، لكن هذه المرة من دون شعارات براقة، فقط لبناء سورية، وهو الذي ساهم بتدميرها، وداس على كل المقدسات الوطنية مع غيره من أجل أوهام عاشها، وقبض ثمنها.
هذا نموذج أقدمه للسادة القراء كي لا يلوم أحد الدولة السورية من أنها لا تتعامل، ولا تتحاور مع معارضتها السياسية، ومع من ستتحاور: مع مرضى، مع جثث، مع عملاء، مع خونة، وآسف لاستخدام هذه الكلمات تجاه هؤلاء، لأنه آن الأوان لهؤلاء أن يتوقفوا عن نكء الجراح، وتذكيرنا بين الفترة والأخرى برائحتهم النتنة، وبعمالتهم، ورخصهم، وقذارتهم التي لن يغفرها لهم أحد.
إن المعارضة السياسية أيها السادة يجب أن تحمل قضايا وطنها، وهموم شعبها السياسية والاقتصادية، والاجتماعية، وتناضل تحت سقف دستور البلاد، وقوانينه، وتشارك في الحياة السياسية بفاعلية وإيجابية، وتقدم مقترحات التطوير، والنهضة، وتكون نماذج أخلاقية يحتذى بها، وتحترم من أبناء شعبها، والأهم أن تكون سلمية، وليس مجرمة، قاتلة تخدم أجندات كل أعدائها.
وللذين يسألون أين المعارضة في الانتخابات الرئاسية السورية؟ نقول لهم: ها هي تمثل بشخصية وطنية سورية معارضة، بقيت في الداخل، وتابعت حوارها، ونشاطها السياسي، والثقافي، وعملت على تشكيل تجمع وطني ديمقراطي لمتابعة عملها تحت سقف دستور البلاد وقوانينها، ورفضت أن ترهن نفسها لأجندات الدول الخارجية، كما يتهمون بعضهم بعضاً وفقاً لمقال هذا المعارض السوري.
الانتخابات الرئاسية السورية مفتوحة للوطنيين السوريين، ولكل مواطن سوري تنطبق عليه الشروط، ويرى في نفسه الأهلية لهذا الموقع المرموق في البلاد، ولكنها ليست مكاناً للعملاء والخونة.
وإذا كان بعض هؤلاء مازالوا يكررون عباراتهم الممجوجة بين الفترة والأخرى حول الانتخابات الرئاسية السورية، فإننا نقول بوضوح وصراحة: إن تجربة سورية الديمقراطية لا تزال غضة، وفتية، وتطورها يرتبط بمدى دعمنا لها، وإسهامنا الوطني في المشاركة السياسية لتطويرها خطوة خطوة، باحثين عن رضانا الذاتي الذي هو بالتأكيد ليس كاملاً، لكن ليس رضا واشنطن، أو باريس، أو أنقرة، إذ إن الديمقراطية تحتاج إلى ثقافة قبول الآخر، وتحتاج إلى تغيير في منهج التفكير، وهو أمر لا يحدث بمادة دستورية، ولا بتجربة انتخابية واحدة أو اثنتين، بل تحتاج إلى مسار طويل، وإلى مؤسسات الدولة القوية المقتدرة، وليس إلى ميليشيات وعصابات وهواة سياسة ومنظرين وكتبة مقالات، أضف إلى ذلك من قال إن الديمقراطية هي نمط واحد يُقص ويُلصق من بلد لآخر، ليأخذ شهادة حسن سلوك من واشنطن!
الديمقراطية مسار طويل، هدفه تحقيق مصالح الشعب أولاً، وحماية وحدة البلاد ثانياً، وضمان أمن ومستقبل الأجيال لعدم السماح للمرتزقة والخونة أن يكرروا لنا ما شهدناه خلال السنوات العشر الماضية من تجارة باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
وللذين يسألون عن دور المعارضة السورية في الانتخابات الرئاسية، نقول لهم: جزء كبير منها مريض مرضاً يصعب الشفاء منه، وجزء صغير منها التزم بقضايا بلده وشعبه، وها هو يشارك بها، وإعادة بناء سورية تحتاج للأصحاء والوطنيين، وليس لمرضى نفسيين يحتاجون لمصح عقلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن