من دفتر الوطن

القدس هي القلب

| حسن م. يوسف

رغم ما أحدثه الصهاينة والمتصهينون من اختراقات خطيرة في الجسد العربي، ينام قادة الكيان الغاصب ويستيقظون مؤخراً على سؤالين كبيرين يحوّلان الحلم الصهيوني إلى كابوس.
السؤال الأول: كيف تمكن الصاروخ السوري من قطع مسافة 250كم في أجواء فلسطين المحتلة ليسقط قرب مفاعل ديمونا النووي، من دون أن تتمكن شبكات المضادات والقبة الحديدية الصهيونية من اعتراضه، ما «يلخص كل المخاوف الإسرائيلية» على حد قول إحدى صحف الكيان السرطان؟
السؤال الثاني: ما الذي دفع رجل الأعمال الغني منتصر شلبي لأن يقوم بعملية إطلاق النار على المستوطنين قرب حاجز زعترة العسكري، شمالي الضفة الغربية المحتلة، يوم الأحد الماضي، ما أدى لمقتل إسرائيلي وإصابة مستوطنين آخرين، وهو أب لسبعة أطفال ويحمل الجنسية الأميركية، ولا ينتمي لأي فصيل فلسطيني؟
«الكبار سيموتون والصغار سينسون» هكذا تنبأ الإرهابي بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان السرطان.
صحيح أن كبارنا ماتوا ويموتون، فالموت حق، لكن صغارنا يرضعون الذاكرة مع حليب الأمهات، وهم رغم المنافي يكبرون وينجحون، لكنهم يحملون فلسطين في قلوبهم ولا يفوتون الفرصة لافتدائها بدمائهم.
أمس الأول احتفلت دمشق بيوم القدس العالمي، الذي أطلقه الإمام الخميني عام 1979 في آخر جمعة من شهر رمضان الكريم، كما احتفل أحرار العالم بيوم القدس في ثمانين دولة. وقد اكتسب هذا اليوم أهمية خاصة هذا العام لأنه يتوافق مع الهبّة الشعبية التي أطلقها أهلنا في القدس منذ بضعة أسابيع.
يُجمع علماء التاريخ الجادّون، وفي مقدمتهم أميركيون و”إسرائيليون»، أن التنقيبات الأثرية قد أثبتت بوضوح أن «حصون مدينة القدس التي بنيت عام 1800 قبل الميلاد، تحمل الطابع المعماري لليبوسيين العرب»، وأن القدس «أور سلام» أي «مدينة السلام» التي حُرف اسمها إلى «جيروساليم» كانت مدينة مقدسة للكنعانيين واليبوسيين قبل أول ذكر لليهود في التاريخ بحوالي ألف عام.
وقد جاء في أحد المراجع التاريخية أن جنود العبرانيّين تسلَّقوا أنابيب المياه ليدخلوا «أور سلام»، ما يعني أن المدينة كانت تنعم بالاستقرار وبكل مرافق التحضّر قبل وقت طويل من وصول الغزاة العبرانيين.
كما يؤكد علماء التاريخ من خلال التنقيبات الأثرية أن الكنعانيين الساميين قد استقروا في فلسطين منذ بداية العصر البرونزي القديم 3100 عام قبل الميلاد.
كثيرون مروا على أرض فلسطين: فراعنة، آشوريون، بابليون، شعوب بحر، فرس، عبرانيون، رومان، بيزنطيون، مغول، فرنجة، عثمانيون، فرنسيون، إنجليز… لكن القدس أخذت من هؤلاء أميز ما لديهم واحتفظت لنفسها بهويتها العربية.
تجمع الأغلبية العظمى من المؤرخين والباحثين الموضوعيين في العالم على أن «الكتاب المقدس» وخاصة العهد القديم، يجب أن تقتصر النظرةُ إليه بوصفه نصاً دينياً يتعلق بالإيمان، لا أكثر. إذ إن الحقائق العلمية التي تم التوصل إليها من خلال أعمال التنقيب والوثائق التاريخية، لا تسمح باعتبار «العهد القديم» نصاً تاريخياً يوثق ما جرى حقاً في هذه المنطقة من العالم. وهذا الرأي يقر بصوابه أهم المؤرخين والباحثين حتى في الكيان السرطان.
لقد مارس كثير من الباحثين الغربيين، التنقيبَ الأثري في فلسطين، من خلال إيمانهم، كما لو أنهم ينقبون داخل أنفسهم، لذا قاموا بليِّ عنق التاريخ كي يتوافق مع قناعاتهم الدينية الأسطورية.
يقول المؤرخ البريطاني البارز كيث وايتلام في كتابه الشجاع «اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني» الذي يسرد فيه التاريخ وفق التنقيبات العلمية الأثرية: «إن إسرائيل القديمة لم تكن سوى برهة في التاريخ الفلسطيني الطويل». وهذا ما يوافق عليه المؤرخ الأميركي الشجاع توماس طومسون في كتابه الهام «الماضي الخرافي، التوراة والتاريخ». وكلا الكتابين تمت ترجمتهما إلى العربية، وصدرا عن دار قدمس بدمشق. ولأننا نحن العرب، لا ندافع عمن يدافعون عن قضايانا، فقد أطفئ الضوء عن المؤرخ الشجاع كيث وايتلام في بريطانيا، أما الأميركي توماس طومسون فقد أجبرته التهديدات والإزعاجات على مغادرة أميركا والاستقرار في أستراليا.
في هذا العام، القدس ليست أقرب وحسب، القدس هي القلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن