قضايا وآراء

أول الرقص حنجلة

| أحمد ضيف الله

أعلنت سكرتير برلمان إقليم كردستان منى قهوجي لشبكة «رووداو» الإعلامية في الـ13 من نيسان 2021، أنه «منذ بداية الدورة الخامسة للبرلمان، قمنا بزيارة كل الأطراف السياسية والمكونات من أجل تحقيق إجماع على كتابة الدستور»، مطالبة كل الكتل الكردية بأن «تسلمها ملاحظاتها حول مشروع دستور إقليم كردستان بحلول 15 أيار 2021».
رئيس إقليم كردستان نيجيرفان البارزاني قال هو الآخر في تصريح له في الـ3 من أيار الجاري: قررنا «زيارة الأحزاب من أجل بذل جهود جادة لتذليل المشاكل الموجودة في إقليم كردستان وتبادل الآراء مع الأحزاب بشأن الدستور»، موضحاً: «نحن نتباحث مع جميع الأحزاب بشأن الدستور، وبعد ذلك سيقوم برلمان كردستان بتحديد الآليات، وهنالك جهود جادة لاستكمال تشريع الدستور».
عندما صار شمال العراق خارج سيطرة حكم صدام حسين في الـ5 من نيسان عام 1991 بفضل الحظر الجوي على الطيران العراقي من فرنسا وبريطانيا وأميركا، شارك 36 حزباً كردياً بوضع أول مسودة دستور لكردستان العراق في قضاء كويسنجق بمحافظة أربيل عام 2002. إلا أن التجاذبات والخلافات بين نواب الأحزاب الكردية أدت إلى تأجيل إقراره عند عرضه للمناقشة لأول مرة عام 2005.
في الـ25 من أيلول 2009 وافق برلمان إقليم كردستان على مشروع الدستور من دون إجماع لإجراء الاستفتاء عليه شعبياً، ما دفع البرلمان في أيار 2015 إلى تشكيل لجنة من 21 شخصاً، لإعادة صياغة بنود الدستور.
الدستور الاتحادي العراقي الذي تمت صياغته عام 2005 على عجل، أعطى إقليم كردستان الحق في أن يكون له دستور، شرط ألا يتعارض مع الدستور الاتحادي والقوانين العراقية، إلا أن الدستور الذي أقره الإقليم في الـ25 من أيلول 2009، المكون من 122 مادة، أثار الكثير من المخاوف لدى العديد من القوى السياسية والشخصيات والأحزاب العراقية التي وجدت فيه مشروعاً متكاملاً للانفصال عن العراق، ينم عن تخطيط مسبق لتشكيل الدولة الكردية المستقلة متى ما سنحت الظروف لذلك. وعلى سبيل المثال حددت المادة 2-أولاً الكيان الجغرافي للإقليم، الذي ضم إضافة إلى مدن السليمانية وأربيل ودهوك، مناطق أخرى متنازع عليها استقطعت من محافظات عراقية كأقضية عقرة وشيخان وسنجار وتلكيف وقرقوش، ونواحي زمار وبعشيقة واسكي كلك من محافظة نينوى، وخانقين ومندلي من محافظة ديالى، وقضاء طوزخرماتو من محافظة صلاح الدين، ومنطقة مخمور من محافظة أربيل، إضافة إلى محافظة كركوك التي يعتبرها الأكراد جزءاً لا يتجزأ من إقليمهم، والتي يسميها رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، رئيس إقليم كردستان السابق مسعود البارزاني «قدس كردستان»، وهو ما رفضته المكونات العراقية الأخرى من العرب والتركمان، معتبرة المشروع خطوة جادة على طريق الانفصال عن العراق.
مسعود البارزاني، قال في كلمة له أمام مركز المجلس الأطلسي بواشنطن في الـ6 من أيار 2015 بعد مباحثات مع الرئيس الأميركي باراك أوباما ونائبه جو بايدن: إن وحدة العراق «اختيارية وليست إجبارية»، ولما سئل حول استقلال الإقليم قال البارزاني: «لا يمكنني تحديد وقت لهذا، لكن كردستان المستقلة قادمة»!
إن العلاقة بين بغداد وأربيل عجيبة، فهي أكبر من علاقة حكومة اتحادية بإقليم اتحادي، وأقل من العلاقة بين دولتين مستقلتين، فإقليم كردستان، ومنذ عام 2003 حتى الآن لا يخضع إلى الحكومة المركزية، فهو رغم استمرار تمويل حصته المالية من الموازنة العامة، لا يسلم الحكومة العراقية أي عوائد مالية من النفط، ولا أي إيرادات مالية سيادية، كما أن مطاراته ومنافذه الحدودية وقواته الأمنية لا تخضع إدارتها لسيادة بغداد!
العلاقات المرتبكة واللا ثقة بين بغداد وأربيل، هي محل استهجان ونقد مستمر من أغلبية العراقيين، ما ينذر بتفجر موجة من الاحتجاجات الناقمة على جميع القوى السياسية والمكونات العراقية، وتحميلها مسؤولية عدم التوزيع العادل للدخل والثروة بين مواطنيه، وتعريض هيبة ووحدة وسيادة العراق للخطر، بعدم فرض القوانين العراقية في إقليم كردستان.
إقليم كردستان يتحرك بشكل حثيث نحو ترسيخ الوضع الدستوري له في ظل دعوات صريحة لا تنقطع نحو حق تقرير المصير وانفصال الإقليم عن العراق، كحلم مؤجل منذ سنين، وخاصة أن مسعود البارزاني لا يخفي رغبته في الانفصال عن بغداد، منتظراً أن تسمح الظروف الإقليمية والدولية بتحقيق هذه الرغبة.
إن حماسة الأطراف السياسية في إقليم كردستان لإعادة صياغة مشروع دستور الإقليم بما يحتويه من مواد انفصالية، هي لأملهم في أن حقبة الرئيس الأميركي الصديق جو بايدن، صاحب مشروع تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات كردية، وسنيّة، وشيعية، ستكون فرصة ذهبية لدعم وتعزيز توجهاتهم الانفصالية! ما يفتح الباب مشرعاً أمام تقسيم قسري للعراق. وتذكروا أن أول الرقص حنجلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن