عن سياسات الرئيس الأسد و«ثورة الكرامة» المسروقة: عندما يمر طريق القدس من واشنطن!
| فراس عزيز ديب
هكذا مرّت تصريحات رئيس وزراء العدو الأسبق إيهود أولمرت مرور الكرام عند من يقدمون أنفسهم عتاة الرأي والرأي الآخر، لم يأخذوا من مقابلته الأخيرة إلا تحذيراته لبنيامين نتنياهو بأن سياساته الحالية ستؤدي إلى انتفاضة فلسطينية جديدة، ولعل دافعهم لنقل هذا التحذير تحديداً هو حرصهم على أمن الكيان الصهيوني وليس حباً بالحق الفلسطيني.
لعلها من بركات هذا الشهر الفضيل أن من كان يبحث حتى عن خطأ لفظي بهمزة وصل بكلام الرئيس بشار الأسد ليبني عليها تقاريره عن «تعب الرئيس وارتباكه»، تجاهل «خطأ الأسد» الذي تحدث عنه أولمرت، ربما لأن من لا يعي مفهوم الكرامة لا يعرف ماذا يعني حديث عدوك عن أخطائك، كيف لا والخطأ هنا مرتبطٌ بوقفة عزّ دمشقية رصدتها قنوات العالم أجمع؟
يومها حوّل الرئيس بشار الأسد احتفالات العيد الوطني الباريسية، إلى ترقبّ بانتهاء فكرة المقاومة الأبدية، كان يكفيه أن يصافح ليصبح سيد الشرق ورمزاً للديمقراطية، كان يكفيه أن يصافح لكي يمشي على طريق القدس الأميركي المرصوف بجثامين الأبرياء والمجبول بدمائهم، قالها أولمرت بصراحة ووضوح: «لو قبل الأسد لتجنبت سورية الحرب»!
بدت هذه العبارة في الإعلام الكاذب أشبه باللام الشمسية، لا تلفظ وإن كانت موجودة، كيف لا وهي شرحت ببساطة أن الحرب كانت ثمن الرفض برداء الثورة الكاذب.
«ثورة الكرامة» تلك دافعت عن كل شيء إلا الكرامة، وهل من كرامة بعد أن اعترف أولمرت نفسه بأن أداة تخريب آخر حصن للمقاومة الحقيقية كانت ثورتهم؟ ثورة الكرامة تلك دافع عنها الجميع، إلا من يعرفون بحقّ أن الكرامة لا تصنعها ثورات مدعومة من القتلة في العراق وليبيا، أو دول لا تعرف معنى الكرامة والديمقراطية إلا كما يعرف زعيم النظام التركي معنى الوفاء!
«سأجعله يقتنع بأن طريق القدس يمر من واشنطن»، هكذا تنبأ جزّار العراق الرئيس الأميركي الذي قتل من العراقيين فقط أكثر مما قتلته الجماعات الإسلامية المتطرفة حول العالم، من دون أن يجرؤ أحد على وصفه بالإرهابي. ربما كان جورج بوش الابن يعي بأنه آخر رئيس أميركي يملك إستراتيجية الحرب المباشرة، مع ضمان اتخاذ كل التدابير لتجنبها، كان يخطّط لأن تكون كل خطوة يمشيها الرئيس بشار الأسد في الطريق الأميركي نحو القدس، سيقابله ردم كل الطرقات المؤدية إلى ما تبقى من عزّة لهذه المنطقة والحقوق المشروعة لشعوبها، أنهى جورج بوش ولايته واستمر الرئيس الأسد في «خطئه»!
لكن بواقعية تامة تعالوا لنعترف بأن سنوات الحرب الطوال ستجعل البعض يرى في كلام كهذا نوعاً من المبالغة، هناك من سيعتبر أن ما خسرناه كان أكبر من أن يحتمل، هذا الكلام يحق لمن يطرحه أن يطرحه بالطريقة المناسبة لكن الجواب عليه بسيط: حجم المعركة هو ما يوحي بأهمية قرارك المراد مصادرته. أكثر من ذلك فإننا نعيد ونكرر السؤال بطريقة معاكسة: ماذا عن الذين سلكوا الطريق الأميركي نحو القدس؟
المشكلة أن جواب هؤلاء غالباً ما ينطلق من فكرة الرخاء والازدهار في دول ثانية، لكن هذه المقاربة باتت سمجة إلى حدّ بعيد، القضية ببساطة أشبه بمن يكسب رزقه من عرق جبينه ومن يكسبها عبر الفساد، هل يستوي دفاع الأول عن ثوابته مع من لا ثوابت له؟
مهما كان ثمن التمسك بالثوابت ثميناً لكن أن تعيش بلا مبدأ ثمنه أكبر، سيجعل منك أضحوكة أشبه بمحدثي النعمة. نعترف بأن المفارقة في حديث الثوابت والدفاع عن الحقوق بات مرهقاً لمن يدافع عنها ولمن يحملها مسؤولية ما وصلنا إليه، القضية ببساطة تحتاج إلى الكثير من الإيمان والتصالح مع الذات، والأهم تحتاج إلى الكثير من الواقعية بفهم تركيبة هذا العدو وطريقة تعاطيه حتى مع من أعطوه كل ما يمكن إعطاؤه من تنازلات، ولعل ما يجري أمامنا في القدس المحتلة اليوم يبدو شاهداً على أن كثرة من باعوا القضية لا يعني بأن المشكلة بها، المشكلة بمن يتاجر بها فكيف ذلك؟
لا تبدو أحداث «الشيخ جراح» إلا جرحاً جديداً سيضاف إلى جراح هذه الأمة، فجراحنا يصنعها أبناء جلدتنا، وشيوخ هذه الأمة إن لم يلتهوا بفتوى جواز نكاح الميتة فستراهم يفتون بجواز التحالف مع الناتو، وقتل ثلث شعب ليحيا الثلثان، أكثر من ذلك انتظروا فتوى تكفّر وتخرج المواطن السوري الذي سيشارك بالتصويت في الانتخابات الرئاسية القادمة عن ملّة الإسلام، ولا تنتظروا فتوى تكفير من يتقاعس عن نصرة القدس، كيف لا وجلّ هذه الأمة طبّعت؟
هناك من قد يخرج علينا بادعاء أن من حق الكيان الصهيوني الدفاع عن أمنه، ألم يعتبر البعض أن أمن المواطن الإسرائيلي من أمن مواطنيه، ما الفرق؟ حتى من يخرج في بعض المؤسسات الدينية ليبيعنا خطابات عن «وحشية العمل الصهيوني» يصمت عن السفارة الإسرائيلية في عاصمته، مفارقة باتت مضحكة!
أما إخونجية الإسلام السياسي فجميعهم يحلمون بالصلاة في دمشق وفي الجامع الأموي تحديداً، لكن عجباً تراهم لا يحلمون بالصلاة في أولى القبلتين أليس الأمر غريباً؟
إن كان طريق القدس الأميركي مهّد لهم فكرة الصلاة في الأقصى عبر ختم عبور إسرائيلي، إلا أن عليهم الإدراك أن هذا الطريق لا يمكنه ببساطة أن يحقق لهم الشيء ذاته مع دمشق، أحدهم وهو مطلٌّ على الأطلسي، كان أحد وزراء حكومته يتناول العشاء الممزوج بلحوم الأبرياء على مائدة «آيباك» الأميركية عندما بدأت قوات الاحتلال إجلاء الفلسطينيين من منازلهم. أما جار السوء الشمالي فهو بارعٌ ببيع الخطابات الكاذبة في الوقت الذي يتجاهل فيه أن السفارة الإسرائيلية تبعد عن مقر إقامته كيلو مترات قليلة. هو كذلك طريق القدس عندما يمر عبر الرضى الأميركي، هو كذلك عندما يصبح مجرد شعار فضفاض لا أكثر فماذا ينتظرنا؟
على أهميتها، لكن لا تبدو الأحداث الجارية في القدس مبشرة، ولنتذكر أننا عشية يوم القدس بتنا ندافع عن حي! أين فلسطين من هذه المقاربة؟
لا أعلم إن كنا محقين بجعل يوم للقدس، ولو كانت برمزيتها كعاصمة لفلسطين، لأن هناك من يريد أخذها نحو البعد الديني الذي تمثله هذه المدينة، فالقضية ليست برمزيتها الدينية، القضية مرتبطة برمزية فلسطين، إلا إن كنا قد فقدنا الأمل ببناء أجيال تنطلق من دفاعها عن القضية الفلسطينية انطلاقاً من بديهية وجود عدو لن يوفر أحداً، وليس بشد العصب الديني، فكلما كان بناء الأجيال يرتكز إلى الثوابت الوطنية لا الدينية، كان إيمانهم بحقيقة الدفاع عن حقوقهم الوطنية والقومية أعمق، ولعل شهداء سورية الذين ارتقوا خلال حرب «أولمرت» التي سموها ثورة، خير دليل على ذلك، والوقت ذاته فإن القرار السياسي في هذه الحالة لا يبدو مسؤولية شخص لكنه انعكاسٌ لإرادة شعب وبمعنى آخر:
عندما أضع ورقتي الانتخابية في الصندوق يوم الاستحقاق الرئاسي القادم، سأستبدل الإشارة التي توحي بالمرشح الذي تم اختياره بعبارة:
يا له من خطأ وما أجملك.. من مخطئ!