ثقافة وفن

العيد والناس.. للفرح أم للألم؟! … الهموم كثيرة والأعباء فوق الاحتمال والمشهد يقترب من الكوميديا السوداء!

| إسماعيل مروة

مجموع أيامنا مناسبة تسلمنا إلى أخرى، وبعض هذه المناسبات لها علاقة بالأسر مباشرة، قد يطول أسراً كثيرة أو قليلة، وقد لا يطول، وقد يستوعب شريحة من الناس واسعة، وقد لا يفعل، وقد يخصّ طائفة أو مذهباً أو عقيدة دون أخرى، ومع ذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يتخلص من أثر هذه المناسبة على الصعيد الاجتماعي والمجتمعي الواسع، إذ صار الكل واحداً في مناسبات يفترض ألا تكون! وصار الواحد مزقاً في وقت يفترض أن يكون واحداً! ولهذا يكون التأثير المناسباتي والجو العام صاحب تأثير على شرائح متعددة وواسعة.

بين الدعوة والواقع

نعيش أجواء شهر رمضان المبارك الذي وجد ليكون شهر رحمة للناس البسطاء والفقراء، وشرّع ليشعر الناس بآلام الآخرين، وعزّز ليكون بين الناس نوع من التكافل الاجتماعي، فهل كان كذلك حقاً؟

يتنطح هذا وذاك للحديث عن رمضان ومزاياه، وما إن ينتهي من حديثه حتى يتوجه إلى مائدة عامرة حافلة تاركاً من توجه إليهم بحديثه على موائد فارغة، وصحون لا تحوي شيئاً، فكان الكلام في وادٍ والحقيقة في واد آخر!

وفي سنوات وعقود تحوّل رمضان إلى شهر للموائد الفخمة، وللنوادي والخيام، وقد حدّت من ذلك الحرب، وضيقت الجائحة الصحية، ولكنها لم تستطع فعل الكثير أمام عادات وتقاليد اجتماعية يمارسها الناس، حتى تحولت هذه العادات إلى الشرائح الفقيرة، التي تجد نفسها مكرهة على مجاراة الطبقات العليا مهما كلفت ذلك من ثمن، لأن الأفراد ليسوا سواء في نظرتهم وفلسفتهم في الحياة.

تحول رمضان إلى شهر من الأعباء والتكاليف الباهظة التي لا يقدر عليها الناس، والأغنياء أنفسهم يتذمرون من أعبائه، ففي الوقت الذي يفترض أن يكون شهر الصيام والابتعاد عن الطعام شهر توفير تحوّل إلى شهر يصرف فيه الناس أربعة أضعاف ما يصرفون في الأشهر الأخرى على أقل تقدير، وهذا المصروف ناتج عن العرض والطلب، وارتفاع بعض السلع على حساب المستهلك لمجرد أنها بضاعة رمضانية وكأنه لا غنى عنها!!

أين ذاك الذي يتحدث عن شهر الرحمة والمرحمة؟!

أين كافل الفقراء ومسعدهم؟!

أين الصائم حقاً؟!

أين الغني العاجز عن الصيام وكفارته؟!

الدعوة تجعل الشهر الكريم شهراً مميزاً بكل ما فيه لمصلحة الإنسان، والواقع يحوّل هذا الشهر إلى شهر إعلامي يتبارى فيه المعنيون بالكذب والادعاء والوعظ، ويحوّل الفقراء إلى مدقعين يرزحون تحت خط الفقر بخطوط، فأين أنت يا رمضان؟!

مناسبات اجتماعية عدة

يترافق منذ سنوات الاحتفاء بالصوم الإسلامي والمسيحي في أوقات متقاربة ومن يتابع يجد الاستعدادات المتشابهة عند كل من المسلمين والمسيحيين، وكل واحد منهم يعد العدّة لعبادته، ولكن ضمن الأطر الاجتماعية القائمة على العرف والتقليد، بعيداً عن جوهر الزهد والابتعاد عن المغريات، ففي كلا الشريعتين الدعوة تقوم على الحرمان والشعور بالآخر، ولكن الحقيقة تجري عكس ذلك، وتتحول العادات الاجتماعية إلى عقيدة، وتتحول العقيدة إلى شيء مهجور مثالي يعجز الإنسان عن العمل به، بل لا يعمل به حتى لا يظهر على المستوى الاجتماعي دون الآخرين المحيطين به.. وحين ينجز الصيام، وتبدأ الاستعدادات يظهر أن فرحة الصائم حين يفطر ليست أكثر من شعار، وأن قيامة يسوع عند الأتباع ليست أكثر من مباركة لسانية يتبادلها الناس فيما بينهم (حقاً قام) والمعنيون والأتباع على السواء لا يسـألون عن فرحة الصائم حين يفطر، ولا عن سر القيامة ليسوع، فلنرقب ماذا تكلف هذه الفرحة وماذا تكلف القيامة؟ ولنسأل: هل من العقيدة أن يحدث كل ما يحدث في كلا الجانبين، لينتهي موسم العبادة ويعود الإنسان إلى حياته العادية؟! وهذا الموسم هو موسم عبادة يجب أن يحمل كل معاني العبادة من دون أن يحمل الأبعاد الاجتماعية التي حملها المجتمع، والتي هي فوق الطاقة على كل حال، ما يجعل الفرحة أكبر في ابتعاد مواسم العبادة التي من المفترض أن يشتاقها الإنسان، والذي يجتمع بشرائح اجتماعية يعرف أن الناس تحمل همّ رمضان من أول شعبان، لا من صيام أو صلاة، بل من تكاليف وأجواء، والأجواء لا تقل عن الأعباء، إذ صارت العبادة مدعاة لشلل المجتمع وأنشطته وحركته، وترتسم برواسم العادات لا العبادات.

البداية والنهاية

حتى نعرف عمق المشكلة المأساة لابد أن نتابع، فمع شهر رمضان المبارك تبدأ ظاهرة الشراب والحلوى، ولست أدري من هو الذي أقنع المسلمين بالشراب والحلوى والتمور التي صارت أرقامها متعبة وفلكية، وهي غير مطلوبة وغير مرغوبة في غير رمضان!

فبعد صد ورفض نجد الجميع يتحلقون غير عابئين بالأمراض والأوبئة لاقتناص كيس من شراب ليس فيه سوى الماء، والحلوى والقشطة، والقشطة لرمضان! ويتبارى الصانعون من السميد إلى السميد والحليب إلى القشطة إلى القشطة الحموية، وكل شيء بثمنه، دون النظر إلى العواقب وإلى الجودة، لا بأس من المائدة العامرة، ولو كانت مغشوشة وعلى حساب الصحة وجودة المنتج، المهم أن يكون رمضان بالحلوى والشراب..! وما كنا نرفضه ونتذمر منه بالأمس القريب صار واجباً ومفروضاً، ومهما كان ثمن التمر لابد من وجوده، وليس من حقك أن تعترض لأنه سنة أن تفطر على بعض التمرات، وفات هؤلاء أن هذه السنة تناسب البيئة التي يتناول فيها الإنسان التمرات من شجرة فوق رأسه وليست مفروضة ليحمل الإنسان أعباءها، ويتبارى في نوعيتها مهما كان وضعه المادي!

والأكثر طرافة أن غير المسلمين يمتدحون أجواء رمضان، ففيه ولائم وأكلات طيبة، والجميع لا يرى تلك الأسر التي لا تجد تمرات تفطر عليها، وتكتفي بأكلات السميد وتغش نفسها وتدعي أنها تأكل القشطة، وتتناول الملونات على أنها مشروبات طبيعية..!

ومنذ عقود أقنع التجار الكرام الناس بأن رمضان هو شهر الدراما وموسمها، فعلى المؤمن أن يتسمّر أمام الشاشة ليتابع أعمالاً درامية، وأنا مع الدراما وتصويرها للمجتمع، ولكن ما السمة الرمضانية فيها؟ لماذا في رمضان دون سواه؟ وكلما حاول أحد أن يخرج هذه العادة من رمضان يجتمع التجار لإعادته إلى الأجواء الرمضانية، طمعاً بالحصرية والإعلان، وأجر الساعة الدرامية الأعلى، فيتحول رمضان إلى شهر الأكل والنفقات والدراما والكسل، والسؤال ماذا تابعت من أعمال؟ وماذا أحضرت من حلوى؟ ومن أي محل من المحلات؟ وفلان حلواه أشهى وأطيب وهكذا! والنتيجة أن معدل إنفاق الأسرة في هذه الظروف الصعبة يتضاعف أربع مرات عن الأيام العادية غير الكريمة!!

وللعيد بهجته

ويستعد الناس للعيد، إن كان فصحاً أو فطراً، وكلاهما سعادة ونهاية وأجر لما قدمه المؤمن حسب العقيدة، والإنسان مهما كان انتماؤه يهرش رأسه وهو يفكر: من أين يأتي باللباس الجديد للأولاد؟ من أين يشتري الضيافة؟ ما نوع الضيافة؟ وبعضهم يمارس التسوق والشراء عبر الإنترنت وهو يذرف دمعات عدم المقدرة! من المؤكد أن الوضع صعب للغاية، لكن من الذي يجبرك على ممارسة طقوس إن مارستها لم تشكر وإن لم تمارسها لن تعاقب؟!

هذا يحمل حقائق وأكياساً من محلات فخمة وبأسعار لو سألته عنها قال لك: لا يا لطيف الكيلو بمئة ألف! لماذا إذاً تقترب منها؟ أليقال: إن فلاناً وضع ضيافة فخمة؟

وبالمقابل هذا يتدبر أمره ويستدين ليحمل أكياساً ولو متواضعة من مكان آخر أقل رتبة وسعراً، ومع ذلك هو فوق الطاقة ويحمل الناس فوق طاقتهم! فرحة الصائم في تلذذه بالعبادة، في إحساسه بالآخرين، في ممارسة طقوس العبادة، في الخروج عن المألوف في الأيام العادية، في الاقتصاد والاقتصار على الضروريات والجود بالفائض على من يلزم، وليست الفرحة بأن يمزق الإنسان نفسه من أجل مظاهر لا تفيد ولا تقدم ولا تؤخر بشيء من الأشياء.

إذا كان مرتبك لا يساوي نصف كيلو من الحلوى مهما كانت مرتبتك الوظيفية، علام تقوم بشراء الكميات؟ ومن قال لك إن الأولاد سيكونون أكثر سعادة؟ ومن أخبرك أن وقوع الأسرة تحت الدين سيحقق لها السعادة؟!

من حق الإنسان أن يسعد

من حقه أن يتناول الأطايب

من حقه ومن واجبه أن يفعل ذلك مع أسرته، ولكن إذا لم يكن باليد حيلة ماذا عساه يفعل؟

هل يمزق نفسه ليقال عنه؟ وإذا مرّ رمضان من دون أن تتكوم أكداس الحلوى وأكياس الشراب ماذا سيخسر المرء؟ وإذا كان العيد فنجاناً من قهوة دون حديث عن حلوى وضعها ومكانها وتكاليفها ماذا سيتغير؟

من حقه، ولكن إذا كان المعنيون سواء من المسؤولين، أم من طبقة رجال الدين والعلماء يكتفون بالكلام الجميل وجمالية رمضان والعيد ما فائدة ذلك؟

اجلس أمام الشاشة واستمع إلى موعظة عن أهمية العيد ورمضان والدروس المستفادة، وتعرّف إلى القيامة، وما فعله المسيح ليحمل الخطايا عنا، عندها حسب زعمهم تشبع، ويصبح للعيد فرحة مختلفة..!

ليست دعوة للمقاطعة بل للحياة، فلست مع ذلك الذي يدعو إلى هجر كل ما أراه غالي الثمن، لكنني أعرف أن الغذاء المتوازن الدائم الصحي أكثر جدوى من مظاهر خادعة لا تغني عن الخروف الطائر والدجاج المهاجر.. وأعرف أن قراءة صحيفة أو كتاب أهم بكثير من متابعة دراما تزيد ألمي أو تعيدني للحياة في زمن مضى، إلا إذا كانت هذه الدراما تشرح ألمي وتشخصه لعل الحل يأتي.

كل رمضان وأنتم سالمون، كل عيد وأنتم بخير، كل فصح وأنتم في قيامة من الخير والحب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن