ليس من شك في أن النهج السياسي العدواني الذي يمارسه الرئيس التركي رجب أردوغان في المنطقة والإقليم، وخاصة تجاه المسألة السورية ودوره السلبي المشبوه والمكشوف في التعاطي معها، ينطلق من اقتناع أردوغان المغلف بأوهام سلطانية بائدة بأن احتلاله لأجزاء من الأرض السورية سيمكنه من التمدد أكثر فأكثر تحت ذرائع ومسوغات وادعاءات بأن هذا الاحتلال يتم تحت يافطة «منطقة آمنة» تحفظ الأمن القومي التركي، وتحت غطاء محاربة وحدات حماية الشعب الكردي، ما ضرب الاستقرار في مساحة واسعة من الشمال السوري ولا يزال.
هذا النهج العدواني المستمر الذي تمارسه السلطنة الأردوغانية تجاه سورية، يترافق مع حملة منظمة للتجييش الداخلي التركي حول خطر الإرهاب والتهديد الإرهابي المزعوم للأمن القومي التركي، كما يترافق مع دعم المجموعات الإرهابية في الشمال السوري، ويتوازى في آن معاً مع خطط تركية مشبوهة لعرقلة وتخريب الجهود المخلصة التي يبذلها حلفاء سورية والرامية للتوصل إلى تسوية سياسية للمسألة السورية تتفق والسيادة السورية والمصالح الوطنية العليا للشعب السوري.
في هذا السياق ترى دوائر غربية حليفة لتركيا أن الوضع الراهن المهتز الذي يحيط بالمشهد التركي عموماً جراء ذهاب الرئيس أردوغان وراء أوهام إحياء السلطنة العثمانية والتغريد خارج السرب الأطلسي عبر محاولات التمدد التركي باتجاه ليبيا والشمال الإفريقي، سيُفقدُ الحليف التركي الأطلسي القدرة على القيام بدورٍ فاعل يتفق مع السياسة العامة للولايات المتحدة الأميركية وباقي بلدان حلف شمال الأطلسي، ويُدخل الشكوك وعدم الثقة بما قد يتخذه أردوغان من قرارات وخاصة في الوقت الراهن الذي تخيم على العالم في أثنائه أجواء حرب دولية باردة تعمل الإدارة الأميركية الجديدة على تأجيجها بغية زعزعة جهة الاصطفافات والتفاهمات الدولية الجديدة التي باتت تشكل مصدر قلقٍ بالغ للولايات المتحدة الأميركية وباقي بلدان «الناتو».
هنا يمكن القول: إن السياسات التي يمارسها أردوغان على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتورطه في مشاكل مع جيرانه العرب جنوباً والأوروبيين غرباً، قد أوقع تركيا والشعب التركي تحت وطأة تلك السياسات وأحاطهما بحالة من الضبابية والعزلة الدولية والأطلسية والخوف من الآتي من الأيام، ما يجعله أمام أحد خيارين إما أن يغير سياساته الرعناء أو أن يتغير، وبما أنه لن يتغير، فسوف يهرب إلى الأمام بالعودة إلى أساليب المناورة الخبيثة والبراغماتية الانتهازية والابتزاز الرخيص والتأرجح شرقاً وغرباً خوفاً من الغرق في الرمال الدولية المتحركة ما يعني بالتالي أنه وحزب العدالة والتنمية ماضون باتجاه الانتحار السياسي.
إن ما يدعو للتساؤل الآن حول مدى قدرة الجيش التركي على القبول بأن يتعرض للأذى على يد مغامر يعيش أوهاماً سلطانية، وخاصة بعد إبعاده المئات من كبار الضباط واعتقال عدد كبير، بينهم مئة وأربعة من ضباط القوات البحرية التركية المتقاعدين، لكن سلطة أردوغان التي لن تخلع عن نفسها العباءة الأطلسية التي توفر لها الغطاء الذي يحميها من أي إشكالية قد تخلق بينها وبين جيرانها، ربما ستكون نهايتها الحتمية على يد الجيش التركي بدعم أميركي أطلسي، وخاصة أن تركيا اعتادت على الانقلابات العسكرية التي يتم التخطيط لها في دهاليز الاستخبارات المركزية الأميركية وأقبية البنتاغون الأميركي، وفي الوقت الذي تراه واشنطن مناسباً لتنفيذه.