أصبح موضوع المناخ وتلوث البيئة من المواضيع التي تحظى باهتمام العالم، لأن مستقبل البشرية له صلة باستخدام الطاقة المتجددة النظيفة في إطار ما يسمى الاقتصاد الأخضر والتنمية الخضراء، وتحقيق ذلك يتطلب عملية طويلة توجهها نظرة سياسية.
البيئة السياسية (Political ecology)، هي دراسة العلاقات بين العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع القضايا والتغيرات البيئية، والتفاعل بين الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا والبيئة البيولوجية، وتسييس القضايا والظواهر البيئية.
تعود أصول البيئة السياسية إلى سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، ويضم علم البيئة السياسية مجموعة متنوعة من التخصصات الأكاديمية، كالجغرافيا ودراسات التنمية والعلوم السياسية والاقتصاد وعلم الاجتماع والتاريخ البيئي.
يراعى في ممارسة البيئة السياسية: الفوارق السياسية والاجتماعية والاقتصادية وأي تغيير في الظروف البيئية يؤثر في الوضع السياسي والاقتصادي، وذلك لإعلام صانعي السياسات بالتعقيدات المحيطة بالبيئة والتنمية، في سياق بيئتها السياسية، وتُستخدم أطر الاقتصاد السياسي لتحليل القضايا البيئية.
الاقتصاد الأخضر يعني تحقيق التنمية الاقتصادية باستخدام طاقات جديدة والمحافظة على المنظومة البيئية.
كلمة الأخضر تعني هنا الصداقة للبيئة، والاعتماد على الطاقات المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية لتحقيق تنمية مستدامة وإعادة التوازن البيئي.
الأمم المتحدة عرفت الاقتصاد الأخضر بأنه «الاقتصاد الذي ينتج تحسين رفاهية الإنسان والمساواة الاجتماعية في حين يقلل من المخاطر البيئية ومن الندرة الأيكولوجية للموارد».
من المفيد التذكير بدايةً بقمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، وبعد عشرين عاماً مرة أخرى في مؤتمر الأمم المتحدة، ومؤتمر ريو +20 ويستعد العالم لقمة الأمم المتحدة للمناخ التي تستضيفها مدينة جلاسجو في تشرين الثاني 2021 تتمثل المشكلة بزيادة الانبعاثات الكربونية من الصناعات التي تستخدم الطاقة التقليدية كالفحم والبترول وتسبب زيادة الآثار الكربونية أضراراً خطرة على الإنسان والبيئة والمناخ ما أدى لموجات جفاف مدمرة، وفيضانات، ونزوح جماعي وهجرات جديدة، كما دفع للبحث عن مصادر للطاقة البديلة المتجددة.
الطّاقة تقسم إلى نوعين: الطاقة التقليدية: وهي الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري وتشمل البترول وبكل مشتقاته والفحم والمعادن والغاز.
الطاقة المتجددة: Renewable Energy
هي الطّاقة التي لا تنضب، ومصدرها الموارد الطبيعيّة، وتتميز بأنّها طاقة نظيفة وصديقة للبيئة.
أنواع الطاقة المتجددة: الطاقة الشمسية ويتم الحصول عليها من أشعة الشمس والتي تُحول إلى طاقة حرارية وكهربائية، وهي أكثر أنواع الطاقة المتجددة نقاء وشيوعاً.
الرياح ويتم الاعتماد على توربينات الرّياح لاستخراج الطّاقة من الرّياح، وتوليد الطّاقة الكهربائيّة.
طاقة المد والجزر ويتم توليدها باستخدام حركة الأمواج ذهاباً وإياباً والتي تنتج الطاقة الحركية لتوليد الطاقة الكهربائية.
الطاقة الناتجة عن حرارة الأرض وهذه طريقة صديقة للبيئة ولا تنتج أي ملوثات.
طاقة الكتلة الحيوية وتُستمَد من المواد العضوية من النباتات أو مخلفات الحيوانات والنفايات أو المخلفات الزراعية، وتُحرق الكتلة الحيوية لتوليد الطاقة الكهربائية.
جاء التفكير بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر نتيجة لخيبات الأمل المتكررة في الاقتصاد العالمي وكثرة الأزمات المالية والاقتصادية، وارتفاع أسعار الغذاء، والتقلبات المناخية، والتراجع في الموارد الطبيعية. وهذا التحول يحتاج لإجراءات حكومية جادة لإعداد بيئة تشريعية وقانونية قوية. الاقتصاد الأخضر يجعل المناخ والتنوع البيولوجي، في حال أفضل، والهواء والماء أكثر نظافة، ويفيد الصحة، وأهميته كبيرة للزراعة، يدعم الحياة الريفية ويحد من الفقر، ويُخفف من الآثار الناجمة عن تغير المناخ، والتصحر، والزحف العمرانى، وتآكل التربة، وفي إطار العمل لاقتصاد أخضر، يجب مراعاة التأثيرات الجيوسياسية.
الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر سيؤدي إلى إضعاف الاعتماد على الطاقة التقليدية وبالتالي الحد من هيمنة الدول التي تتحكم بإنتاج وتصدير وإمدادات الطاقة التقليدية، مثلاً، الاقتصاد الأخضر قد يُحسن وضع الدول بتقليل اعتماده على استيراد الطاقة.
مع التحول الأخضر، ستصبح الممرات البحرية الإستراتيجية كمضيق هرمز وغيره، أقل أهمية وأقل عرضة للمنافسة والسيطرة عليها من القوى الإقليمية والعالمية. كما سيساعد الاستغناء التدريجي عن بعض واردات الطاقة على تقليل أهمية الدول التي تعتمد على تصدير النفط كدول الخليج العربي، التي ستخسر الكثير من إيراداتها التي استخدم بعضها كأدوات في السياسة الخارجية.
التحول الأخضر يمكن أن يعطي الاقتصادات استدامة وقدرة، ولا يمنع الانخراط في المنافسة الجيوسياسية.
يتعين على دول العالم التي ستأخذ بالتنمية الخضراء أن تتعاون آخذة بعين الاعتبار العواقب المحتملة.
مثلاً، في القطب الشمالي، حيث ترتفع درجات الحرارة بسرعة أكبر من المتوسط العالمي، تحاول روسيا والصين وغيرهما إنشاء موطئ قدم جيوسياسي فوق الأراضي والموارد التي كانت تحت الجليد. ولهذه القوى مصلحة في الحد من التوترات في المنطقة، بغض النظر عن التدافع لاكتساب وضع الأفضلية.
في الجنوب الأوروبي، تتوافر إمكانات هائلة للاستفادة من الطاقة الشمسية، واستخدام الطاقة المتجددة. ويمكن لأوروبا أن تتعاون مع دول شمال إفريقيا ومنطقة جنوب الصحراء.
ثمة تسريبات عن تعاون أميركي صيني حول التمويل الأخضر، في إطار أهداف قمة باريس وهو احتمال ضعيف، لأن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تفضل المواجهة والمنافسة مع الحكومة الصينية أكثر من التعاون، رغم أن الرئيس الصيني شي جين بينغ تعهد بالتخلي عن الكربون بحلول 2060، والصين هي الدولة المصنعة الرائدة لمنتجات الطاقة المتجددة.
العالم الذي تديره التكنولوجيا النظيفة يساعد على رفاهية الناس والاستقرار السياسي. على الدول أن تسترشد بالجغرافيا السياسية لتغير المناخ، والمخاطر الجيوسياسية لتكون حافزاً لتسريع التنمية الخضراء.
أخيراً ثمة اتجاه قوي لدول العالم المتقدمة والنامية لتشجيع الاستثمار في الاقتصاد الأخضر للحفاظ على صحة الإنسان وحماية البيئة، وإيجاد مصادر للطاقة المستمرة والمتجددة، ونأمل أن تنعم الأجيال القادمة بمزايا المشهد العالمي للاقتصاد الأخضر وجغرافيته السياسية.
ومن المفيد، أن تُولي الحكومة السورية المزيد من الاهتمام بالاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة بأنواعها وخاصة في ظروف الحرب الاقتصادية الظالمة على وطننا سورية.