من دفتر الوطن

جينا تـ «نعيدكم… جينا»

| عصام داري

يهل العيد علينا ونحن ننعم بصحة الجسم وسلامة العقل، حتى الآن على العقل، ولا نعرف ماذا تخبئ لنا الأيام والساعات القادمات.
العيد بسمة الأطفال، وفرح الدنيا، وتبادل الأمنيات، والأنخاب عند عدد من الناس، والتواصل بين العائلات والأقارب في زمن الانقطاع والتباعد بفعل العديد من العوامل منها الكورونا الملعونة، ومنها أننا أدمنّا مواقع التواصل الاجتماعي ونسينا التواصل مع العائلة، مع الأب والأم و.. دارت الأيام وتباعد أفراد العائلة.
ورحم اللـه شاعرنا العربي الكبير أبو الطيب المتنبي الذي قال:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
هذا ما قاله المتنبي قبل أكثر من ألف عام، فماذا يقول كاتب هذه الأسطر؟ كيف عدت يا عيدنا السعيد، هل حملت أقلامك الملونة لترسم لوحة حب ومحبة خالصة بين الناس؟ وتزركش ملابس أطفالنا البالية كي يحسبوا أنها جديدة تليق بالعيد المجيد، ويضحكوا على العيد بدلاً من ضحكة العيد العفوية؟
البيداء دوننا ودون الأحبة، والبيداء في عصرنا هذا هي الفيسبوك والماسينجر والتويتر وغيرها من وسائل أطلقوا عليها زوراً وبهتاناً تسمية (مواقع التواصل الاجتماعي) والأحرى تسميتها مواقع التباعد العائلي!
معروفة ومكرورة كثيراً حكايا العيد بالنسبة لجيلنا الذي أصبح (دقة قديمة) حيث كنا نضع الحذاء الجديد تحت الوسادة خوفاً من أن يهرب، ونرتب الملابس الجديدة قرب السرير، أو الفرشة أيام زمان، وكنا نصحو في الليل لنطمئن على أنها بقربنا، ونسأل أهالينا، أو أنفسنا: كم ساعة بقي كي تشرق شمس العيد السعيد؟
كنا لا نعرف الملابس الجديدة إلا في الأعياد، أما بقية أيام وأشهر السنة فالملابس هي نفسها، وكانت تدور وتدور فتتحول ملابس الأب للطفل الأكبر، وملابس الأم للحسناء الأولى في ترتيب الأسرة، وهكذا يرتدي كل طفل من أطفال الأسرة كل ملابس الأب والأم والأولاد، طبعاً بعد أن يعمل مقص الأم فيها فتتجمل وتتغير معالمها!
اليوم، أو على الأصح منذ عشر سنوات خلت، صارت الملابس الجديدة مجرد حلم يراود الأطفال والآباء، فقد وصلنا إلى مرحلة لم تعد الأسرة قادرة على شراء ملابس جديدة للأطفال ولو من البالة، درجة ثانية وثالثة، لأن البالة من الدرجة الأولى أضحت للموسورين الأغنياء القادرين على شراء فستان أو كنزة أو قميص أو بنطال بسعر مرتفع.
مع كل ذلك نرجو أن تحمل الأيام القادمة الفرح لأعيادكم التي هي أعيادنا جميعاً، والبسمة لأطفالنا، والطمأنينة لنا، والأمن والأمان لبلدنا الذي ينتظر العيد منذ عقد مضى، هذا البلد الذي تركه الأجداد أمانة في أعناقنا، فهل كنا أهلاً لتلك الأمانة المقدسة؟
لا أريد أن أشوش على العيد، ولا أن أكون سلبياً في هذه المناسبة التي من المفترض أن تكون سعيدة، ولتأكيد حسن نيتي أعايدكم جميعاً على طريقة المطرب الكبير الراحل ملحم بركات وأغني بصوتي الأجش:
جينا… جينا لنعيدكم جينا.. جينا نتذكر ماضينا..
فتعالوا معاً لنتذكر ماضينا!!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن