قضايا وآراء

إطباق المقاومة على إسرائيل

| تحسين الحلبي

حين تجد إسرائيل أن كيانها الصهيوني العدواني الجغرافي في فلسطين تحيط به من جميع الاتجاهات خارج حدودها الراهنة شعوب ودول وقوى معادية وحين تجد في الوقت نفسه أن كتلة بشرية من أصحاب الأراضي الفلسطينيين تحيط بها من الداخل في الأراضي المحتلة نفسها منذ عام 1948 وكذلك من الأراضي التي احتلتها بعد عدوان حزيران 1967 في الضفة الغربية والجولان العربي السوري، يتملكها الخوف والفزع من هذه الحقيقة إلى حد يضعها تحت حصار معاد من الخارج والداخل في عالم عربي، وتحيط بها شعوب لا يمكن أن تقبل بها.
ولذلك كان من البديهي أن تتبنى إسرائيل سياسة «فرق تسد» الاستعمارية التاريخية لإضعاف قوى الخارج والداخل، وفي تطبيقها لهذه السياسة وجدت نفسها مجبرة في عام 2005 على سحب قواتها ومستوطناتها من قطاع غزة بفضل قوة فصائل المقاومة والعمل، فلجأت بعد هزيمتها إلى فصله عن الضفة الغربية ما دام أنه بعيد عنها جغرافياً وأن المهم في ذلك الوقت عزل مليون ونصف المليون من الفلسطينيين جغرافياً وبشرياً عن بقية الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، وكانت قد طبقت هذه السياسة نفسها حين فصلت الفلسطينيين المقدسيين في مدينة القدس عن أهلهم في الضفة الغربية ثم قامت ببناء جدار التفافي وطرق تحيط بمعظم أراضي وقرى ومدن الضفة الغربية لكي تعزل هذه المناطق بسكانها وأراضيها عن بعضها بعضاً من جهة وعن المستوطنات من الجهة الأخرى فأصبح ما يزيد عن 3 ملايين في تلك المناطق في شبه معازل وكانتونات لكي تمنع حشد قواهم البشرية والكفاحية ككتلة واحدة ضد قواتها وضد المستوطنات تمهيداً لما هو أبعد من هذا الهدف وهو تطبيق سياسة الترحيل القسري التدريجي على كل جزء منهم، فقد اعتمدت في مدينة القدس طريقة إجرامية للتخلص من المقدسيين، يرى الجميع صورتها المباشرة في الاستيلاء على عدد من بيوت حي الشيخ جراح، واتضح أيضاً من خلال هدم منازل الفلسطينيين ومنع بناء منازل أخرى لإجبار الفلسطينيين على مغادرة المدينة ومنع عودتهم إليها.
لقد احتلت مدينة القدس أهمية إستراتيجية في هذا المخطط الصهيوني من ناحيتين الأولى تعود للموقع الإستراتيجي لمدينة القدس بين جبال تطل على مستوطنات الساحل وتشكل أكبر الأخطار عليها، والثانية لكي تجذب المهاجرين اليهود باسم أساطيرها عن الحركة الصهيونية والتلمود.
وعن أهمية الموقع الإستراتيجي لمدينة القدس أعد الباحثان العميد المتقاعد من الجيش الإسرائيلي غيرشون هاكوهين والمدير السابق لمركز بيغين السادات للدراسات الإستراتيجية إفرايم عينبار، دراسة مشتركة نشرت في أيلول عام 2017، أي قبل ثلاثة أشهر من اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها.
جاء في الدراسة أن: «60 بالمئة من الإسرائيليين يقيمون في منطقة ساحلية وسطى تتجمع فيها معظم المواقع الحيوية الإستراتيجية المهمة لإسرائيل ومشروعها الصهيوني فمطار بن غورين وميناء أسدود وكل قيادات الجيش والمخابرات في تلك المنطقة ويحتل موقع مدينة القدس بجبالها وتلالها أهمية إستراتيجية لحماية كل هؤلاء الإسرائيليين، فعرض هذه المنطقة بين طولكرم في الضفة الغربية ومدينة نتانيا على ساحل المتوسط لا يزيد عن 15 كم تتجمع في حوضها كل هذه المراكز الحيوية ومعظم الإسرائيليين، ولذلك لن تقبل إسرائيل بوجود أي دولة في الضفة الغربية ولا على أي جزء من أراضيها».
ولذلك ظهرت فكرة خطيرة أعدتها إسرائيل لترامب للإعلان عنها وهي صفقة القرن لتأسيس مشروع دولة في غزة يبعد مسافة كبيرة عن الكثافة الاستيطانية القائمة في الساحل الفلسطيني الذي تهدده الضفة الغربية من مسافة 15 كم، لكن الشعب الفلسطيني أحبط كل سياسة فرق تسد وها هو يشكل داخل فلسطين بكل أراضيها عدداً من أصحاب الأرض يزيد بنصف مليون عن الإسرائيليين، وفي خارج هذا الكيان أحبطت سورية والمقاومة اللبنانية وفصائل المقاومة في كل المخيمات الفلسطينية في لبنان وسورية مخطط تفتيت سورية ولبنان وضرب العلاقة المتينة بين دول وأطراف محور المقاومة فأصبحت إسرائيل محاصرة في داخلها ومن حدودها الخارجية بقدرات مقاومة غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، ولم تحقق لها سياسة الاستفراد ببعض الدول العربية ما تطلعت إلى تحقيقه من أهداف عدوانية لمشروعها الاستيطاني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن