اقتصاد

الفقراء «السعداء»؟!!

| هني الحمدان

ليس ككل الأعياد السابقة، كان لا يشبهها إلا أنه جاء بعد شهر صيام مختلفاً عنها بنفحاته ومستلزماته واحتياجاته، كان ثقيلاً لأن أغلبية البشر عجزوا عن شراء ما يلزم، ولا حتى تجهيز «أواعي» العيد للأطفال وما يتطلعون إليه بعد ترقب لقدوم يوم العيد، للخروج إلى ساحات الألعاب ومراجيحها علهم يجدون ما يروح عن نفوسهم بعد منغصات لا حصر لها، من مضايقات العيش ووباء كورونا اللعين وتعب المدارس والدراسة.. كان خروج البعض منهم مشوباً بالعديد من التحسبات المالية، نظراً لسعر دورة المراجيح، فأي لعبة للحظات كانت بين خمسمئة وألف ليرة وهي ألعاب عادية، في أماكن عادية، بعيدة عن ألعاب المحال الفارهة.. وإذا تركنا أجور ألعاب الأطفال جانباً، كيف كانت نظراتهم إلى ما يشتهون من طعام وسندويشات الأكل السريع، فلها حديث ذو طعم خاص، لن نأتي بجديد إذا قلنا إن أقل سندويشة عادية كانت بين ألف وخمسمئة ليرة إلى ثلاثة آلاف ليرة، وكيف لنا الاستغراب وسعر كيلو الشاورما صار بخمسة وعشرين ألف ليرة سورية، فقط نصف راتب موظف خلال شهر، فكيف ستكون صورة العيد أيها السادة؟! كيف كان موقف رب أسرة، لديه ثلاثة أطفال، يحاول أن يبسطهم ويدخل البسمة على وجوههم وخلال يوم العيد…؟ وكم سيحتاج من ليرات، أمام الاستغلال الحاصل..؟
نعم أوجع العيد أغلبية الناس.. أوقظ فيهم وفينا جل الطلبات النائمة، والأغلبية منهم عجزوا عن سد جوانب عدة من حاجاته، فالعيد يريد من أرباب الأسر أن يكونوا (سوبرمانات) في المحال والمولات وساحات العاب الأطفال، وأي سوبرمانات أمام جيوب فارغة، وحيل معدومة لا تنقذ أحداً، فاقة وعوز لا يوازيهما أي شيء، أعباء حياة متعبة، ومستلزمات عيد لم يستطع الأغلبية شراءها، وهكذا مضت أيام العيد، بحلوها عند من استطاع أن يحقق البسمة والرضا والشعور بأيام العيد، ومرها عند بشر كثر لم يستطيعوا صناعة خبز أو كعك العيد.. إنها المعادلة الصعبة والثقيلة.. معادلة كيف يضحك رب أسرة على أطفاله الذين لا يعرفون معنى الدخول المعدمة والقليلة، دخول لا تتناسب مع احتياجاتهم ومتطلباتهم رغم تواضعها؟!
أرادنا العيد أن نبكي فرحاً لأنه أتى، وبكت النفوس وتحسرت الصدور وضاقت، فلا حالات التمويه نفعت، ولا الكذب على الصغار جاء بنتيجة سوى حسرات لفت وجوههم الغضة البريئة، فما أصعب أن يرغب طفل ويطلب من والده ولا يقدر الأب المعثر تأمين طلبه..!
لا أعرف من يكذب على الآخر.. أنت أيها الأب، أو من ذا الذي لا يقدر على شراء احتياجاته…. أم العيد ذاته…؟ فالعيد يأتي شاء من شاء، استطاع تأمين الاحتياجات، أم لم يستطع، جاء بوقته، إنه العيد السعيد، فهل كان «سعيداً»؟! وادعى أنه مجرد «فرحة»! هل صارت الحالة ملتبسة بين البشر «التعبانين» مادياً والعيد السعيد؟
كثر أيها السادة لم يستطيعوا تجهيز أي من المتطلبات، فلا تستغربوا، بقوا قابعين هم وأولادهم بين جدران منزلهم، اكتفوا فقط ذكرى أن اليوم عيد، جيوبهم وميزانيتهم لم تخولهم أن يسافروا أو يتنقلوا لرؤية أهلهم وأحبتهم، أو التسوق وشراء أي قطعة لأطفال، مفضلين عدم الخروج إلى الساحات لعدم رؤية حسرات عيون أطفالهم، فمن الذي أقنع العيد بأنهم جاهزون لاستقباله والتعاطي معه؟!
العيد ليس «سعيداً» كان العيد عبئاً وكلفة، وكما يعرفه بني البشر طقوس صعب على الفقراء والمهمّشين أداؤها على أكمل وجه وعلى نصف وجه وعلى رُبع وجه..!
تناسوا أنها أيام عيد.. مرت ثقيلة عليهم، وتعاملوا مع حالتهم، كما يتعاملون أصلاً مع تأمين حاجاتهم وقلتها، وظروف الغلاء الفاحش الذي سرق كل شي جميل من حياتهم..! باعوا عيدهم بأقل الأثمان، وكذبوا على عيالهم بأن العيد القادم سيكون سعيداً، ليس عيداً كهذا مر ثقيلاً، خلا من ذكريات الأعياد السابقة ببساطة وقلة أعباء مستلزماتها، شأن أيامه كشأن بقية أيام السنة، عناء وتعتير وفاقة وعوز.
أناس وأسر كثيرة «اللي مش داري عنها حدا»، مر عليها العيد مروراً، لا تشعر بطقوسه وزياراته الاجتماعية، والتوادد والتواصل بأشكالهما المعهودة، ولا بمواده ومفرحاته، فقط أيام كسابقاتها ولاحقاتها من العناء والعيش الثقيل.. لكن هناك من يحلم بقدوم أعياد لاحقة تحمل البشرى وحلاوة العيش المريح بعد الحنق والضيق المعيش.. وما أحلى الأمل.. فلولاه لفقدنا أشياء جميلة كثيرة.. وجعل اللـه كل أيامكم سعيدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن