من دفتر الوطن

نيسان!

| عصام داري

يبدأ الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ إحدى رواياته بهذه الجملة (أبريل.. شهر الغبار والأكاذيب)، وأبريل هو نيسان، لذا فأنا أعلن اختلافي مع كاتبنا الكبير، فشهر نيسان بالنسبة لي ولكل السوريين على ما أظن شهر الفرح والأعياد والأزاهير والحب.
فالسوريون على مختلف مشاربهم وأفكارهم وطوائفهم ومذاهبهم يحتفلون بعيد الجلاء الذي يعتبر عيد الأعياد حين استعادوا حرية وطنهم الذي رزح تحت نير الاستعمارين الفرنسي وقبله التركي، وتنسموا عطر الحرية بعد قرون طويلة.
وفي نيسان تشابكت أيدي أعيادنا الدينية من الفصح إلى الفطر إضافة إلى الوطنية، وكشف الربيع عن حسنه في الغوطتين وفي الحقول والبساتين وشكلت أزهار المشمش والدراق والخوخ والكرز مهرجان ألوان مزركشة تبهج الأبصار.
نيسان ليس شهر الغبار لأن أمطاره الخفيفة التي تشبه الرذاذ تحيي الإنسان كما يقول المثل الشعبي، صحيح أن هذا الشهر يبدأ بالكذب الأبيض، لكنه شهر الحب والشعر والموسيقا.
مع أني ضد الكذب الأبيض والأسود وبكل ألوانه، لكننا مضطرون لقبول هذه الكذبة البيضاء أو تلك حفاظاً على موروث غير محبب، إلا أن معظم الناس يحبون الكذب طوال حياتهم، ويختارون مطلع هذا الشهر ليقدموا أفضل إبداعاتهم في الكذب الأبيض الذي يفترض ألا يتسبب بأي ضرر، لكنه مع الأسف يتسبب بالكثير من الضرر والأذى في الكثير من الأحيان لأن هناك من يخترع كذبة بيضاء تشبه الخنجر الذي يخترق الخاصرة، ويدمي النفس والروح!
الغريب والذي لا يعلمه أغلب الناس أن شهر نيسان ليس شهر بداية الربيع وحسب، وإنما هو شهر فيه الكثير من المناسبات العالمية منها على سبيل المثال لا الحصر:
اليوم العالمي للتوعية، ويوم الصحة العالمي، واليوم الدولي للرحلة البشرية إلى الفضاء، واليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، واليوم العالمي للملكية الفكرية، ويوم التراث العالمي ويوم الرقص العالمي، ويوم اللغة الصينية تخليداً لذكرى مؤسس الأبجدية الصينية، ويوم اللغة الإنكليزية تاريخ وفاة الشاعر والكاتب المسرحي الشهير وليام شكسبير، واسمحوا لي أن أضيف الثلاثين من نيسان وهو تاريخ وفاة شاعرنا الكبير نزار قباني الذي شكل شعره ثورة حقيقية في عالم الشعر.
يقول نزار قباني: مني رسالة حب.. ومنك رسالة حب.. ويتشكل الربيع.
في بلاد الشام لا يعترفون بالتاريخ الفلكي لبدء فصل الربيع، أي في 21 آذار، بل يعتبرون نيسان هو شهر الربيع، ولا يطلقون علية التسمية الغربية (أبريل) بل التسمية الحالية وأصلها سريانية.
أما في بلاد الإغريق (اليونان) فقد تمت تسميته على اسم إلهة الحب اليونانية، أفروديت، وهنا يجب التنويه بأن الأغلبية العظمى من الناس تعتبره من الأشهر المفضلة لهم، فهو يعني تجدد الحياة وولادة للطبيعة الأم.
اخيراً… قد يسألني ساءل: لماذا تكتب عن نيسان ونحن في شهر أيار؟..
بكل بساطة لأنني شعرت بتقصيري بحق شهر محبب للجميع… وبصراحة.. كرمى لعين صبية ذكرتني بأنها أشرقت على الدنيا في نيسان.. فتقبلوا عذري.. وعذرها!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن