قضايا وآراء

الرئيس الأسد.. إذ قلب ظهر المِجَن

| رفعت إبراهيم البدوي

أعلن وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، يوم الأحد، أن سورية مستعدة لأي شيء تطلبه فلسطين لأن فلسطين هي قضيتنا الأولى والمركزية، مؤكداً أن سورية لن تدخر جهداً في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع والوطني، مشيراً إلى أن الانتفاضة الفلسطينية ونضال الفلسطينيين كشفا عورات المطبعين والمستسلمين ومن يدعون الديمقراطية والحرية وحقوق الشعوب.
المقداد أردف قائلاً: «سيأتي اليوم الذي سننتصر به معاً، لأن سورية واجهت الإرهاب المدعوم من العدو الإسرائيلي، وفلسطين اليوم تواجه الإرهاب الإسرائيلي ونحن والشعب الفلسطيني شعب واحد وفي خندق واحد».
إن ما تفضل به المقداد جاء ليؤكد على الإستراتيجية السورية التي رسمها الرئيس الراحل حافظ الأسد وأكملها الرئيس بشار الأسد.
وبالعودة للتاريخ في العام 1993 وعقب الإعلان عن اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير والعدو الصهيوني الذي شكل صدمة في سورية، عُرضت نسخة من الاتفاق على الرئيس حافظ الأسد الذي بدأ يتفحص بنودها لكنه لم يستطع إكمال قراءة الصفحة الثانية فوضع النسخة بكاملها جانباً وقال: إن كل بند من بنود الصفحة الأولى يحتاج إلى اتفاقات وهذه الاتفاقية لا تتضمن حق العودة للفلسطينيين وأضمن بأن العدو الإسرائيلي لن ينفذ أياً من بنود الاتفاق لأنهم لا يرغبون في السلام العادل الذي يضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
في عام 1994 أبرم الأردن اتفاق سلام مع العدو الصهيوني، سمّي باتفاق وادي عربة، على أمل أن تكر سبحة الاتفاقات المذلة مع باقي الدول العربية وخصوصاً بعد أن وضعت مصر أنور السادات الأرضية لتلك الاتفاقات وتمثلت باتفاقية كامب ديفيد المشؤومة عام 1979 تاركاً الجمهورية العربية السورية وحيدة في مواجهة العدو الصهيوني.
في عام 2003 احتلت القوات الأميركية العراق، وعينت بول بريمر حاكماً على العراق الذي قام بحل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة العراقية، حينها ساد العالم العربي جو من الخنوع والانصياع لسطوة أميركا باعتبارها حكمت المنطقة ولها الكلمة الفصل.
وفي عام 2003 نفسه، وصل وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول إلى سورية من ضمن جولة على دول المنطقة، واجتمع مع الرئيس بشار الأسد الذي استقبله في دمشق.
باول جاء حاملاً نسخة من المطالب الأميركية الإسرائيلية معتقداً أن الزمن في المنطقة هو الزمن الأميركي، ولا يمكن لدمشق أن ترفض تلك المطالب وخصوصاً أن الجيش الأميركي صار موجوداً على الحدود السورية مع العراق.
الرئيس بشار الأسد بدأ بالاستماع لـباول الذي توجه للرئيس الأسد قائلا: يجب عليكم طرد كل الفصائل الفلسطينية من سورية، وهنا أشار الرئيس الأسد بيده، فتوقف باول عن الحديث وتجهم وجهه، حينها قال الرئيس الأسد: اسمع يا سيد باول لا تنس أنك في سورية التي رفضت وترفض كلمة «يجب عليكم» من الحليف، فكيف الحال وانتم حلفاء للعدو الإسرائيلي؟
وأردف الرئيس الأسد قائلاً: مستر باول أنت الآن في سورية الدولة التي التزمت بمواقفها الواضحة وضوح الشمس، وقاومت كل الضغوط ولم تقبل يوما أي ضغط ومن أي جهة كانت.
فهم باول أنه أمام خامة مختلفة عن رؤساء وملوك وأمراء المنطقة وأن الرئيس الأسد رئيس يمتلك من الفراسة والعزة والأنفة والكرامة الوطنية لم يألفها باول مع أي من رؤساء المنطقة.
وحين همّ باول بتسليم الرئيس الأسد نسخة مطالب الإدارة الأميركية بادره الرئيس الأسد بإشارة من يده عبرت عن رفضه استلام النسخة في موقف واضح حمل دلالة رفض سورية لتلبية أي من المطالب الأميركية.
أما المفاجأة التي أصابت باول بالصدمة والارتباك وغيرت ملامح وجهه كانت في ختام اللقاء حين توجه الرئيس الأسد إليه قائلاً: إن الفصائل الفلسطينية المقاومة ستخرج من دمشق في حالة واحدة وهي العودة إلى فلسطين.
بقيت سورية بشار الأسد حاضنة لفصائل المقاومة الفلسطينية رغم انحراف البعض، وحافظت على وتيرة تزويد المقاومة الفلسطينية في غزة وفي لبنان بصواريخ من كل الأنواع لمواجهة العدو الصهيوني، وبقيت فلسطين في قلب سورية وقضيتها المركزية اقتناعاً منها بأن البوصلة الأساسية هي فلسطين، والقدس هي نبض القضية.
في عام 2011 ونتيجة مواقف سورية المبدئية الملتزمة بالقومية العربية المؤيدة لفلسطين وللمقاومة في لبنان، تعرضت لأبشع مؤامرة كونية عربية وأميركية وغربية، بهدف النيل منها أو لتغيير سلوكها، بمعنى تغيير مبادئها القومية والتخلي عن دعم فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة وعن دعم حزب اللـه في لبنان.
سورية بجيشها وشعبها صمدت بصمود الرئيس بشار الأسد الذي لم يبدل تبديلاً، وبقي وفياً لمبدأ المقاومة مناهضاً لكل أشكال التطبيع ولأي اتفاق سلام مع العدو الصهيوني.
بعد العام الأول من المؤامرة الكونية على سورية، جاء أحد وزراء الخارجية العرب عارضاً على الرئيس الأسد إنهاء الأزمة السورية مقابل قبول مبدأ السلام مع العدو الإسرائيلي وطي صفحة القضية الفلسطينية، وأردف الزائر قائلاً: إن معظم الدول طبّعت مع إسرائيل وهم يستقبلون المسؤولين الإسرائيليين في أوطانهم من تحت الطاولة ومن فوقها.
الرئيس الأسد أجاب الزائر العربي: إن القضية والحقوق الفلسطينية ليسا ملكي إنهما ملك الشعب الفلسطيني ومن واجبي دعم هذا الشعب في نضاله وفي مقاومته الاحتلال الإسرائيلي حتى تحرير أرضه ونيله حقوقه المشروعة.
الرئيس الأسد أردف قائلاً للزائر العربي: سجّل عندك إن أي انتفاضة للشعب الفلسطيني وهي قادمة لا محالة، ستقلب كل اتفاقات السلام والتطبيع مع العدو وستحولها إلى مجرد أوهام ساقطة مصيرها سلة المهملات، وحينها سينقلب ظهر المجن لمصلحة الفلسطينيين وسيصيب أصحاب اتفاقات السلام والتطبيع الخيبة والذل أمام شعوبهم.
فلسطين اليوم انتفضت وأزالت غبار النكبة عنها أما غزة التي تقاوم مساندة الانتفاضة في الداخل الفلسطيني وبصمود كبير فقد أذهلت المطبعين والمستسلمين الذين أصيبوا بالخيبة قبل العدو الصهيوني.
نقول لولا صمود سورية جيشاً وشعباً، ولولا دعم الجيش العربي السوري الذي فتح مخازنه لتزويد المقاومة في غزة وفي لبنان، ولولا تبني سورية بشار الأسد للقضية الفلسطينية معتبرة إياها القضية المركزية لها، لكانت فلسطين نسياً منسيا وفي غياهب الجب العربي.
رؤية الرئيس الأسد الإستراتيجية تحققت، فالانتفاضة الفلسطينية أعادت البوصلة إلى وجهتها الصحيحة، وأطاحت بصفقة القرن وبكل أشكال التطبيع المذل، أما غزة المحاصرة فها هي تفرض حصارها على الصهاينة، وحزب اللـه في لبنان استطاع تحقيق معادلة الردع وصار يشكل هاجساً مرعباً للعدو الإسرائيلي، ومحور المقاومة تمكن من إحكام طوقه على الكيان الصهيوني بزنار نار من سورية إلى لبنان وصولاً لغزة.
بالقراءة الصحيحة وبالصمود الأسطوري وبثبات الموقف وبالصبر الإستراتيجي فإن الرئيس بشار الأسد قلب ظهر المجن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن