قضايا وآراء

التوغل التركي الوقح في العراق

| أحمد ضيف الله

هكذا ومن دون أي مقدمات، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في الـ30 من نيسان الماضي وفقاً لوسائل إعلام تركية، عن إنشاء قاعدة عسكرية تركية ضخمة في منطقة ميتينا شمالي العراق، مشيراً إلى أن «منطقة ميتينا مكان مهم، وكما هو الحال في سورية، سنقيم قاعدة هنا وسنسيطر على المنطقة، فهذه المنطقة هي خط العبور إلى جبال قنديل وسوف نبقي هذا الخط تحت السيطرة»!
من منكم يمكن أن يتخيل هكذا وقاحة تركية علنية بحق العراق، وهي التي تقيم علاقات دبلوماسية طبيعية مع جمهورية العراق، حيث تصف تركيا على الدوام تلك العلاقات بأنها أخوية ومثال الود بين جارين!
لم يمض على إعلان وزير الداخلية التركي يومان، حتى دخل وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في الـ2 من أيار الجاري إلى شمال العراق، متفقداً قاعدة «بيليتش تبه» التركية المقامة على أراضي محافظة دهوك، برفقة رئيس الأركان العامة يشار غولر، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، ما دفع الخارجية العراقية إلى استدعاء القائم بأعمال السفارة التركية لدى بغداد كوجلو كالفات في الـ3 من أيار الحالي، وسلمته مذكرة احتجاج، عبرت فيها عن «استيائها الشديد وإدانتها من قيام وزير الدفاع التركي خلوصي بالوجود داخل الأراضي العراقية دون تنسيق أو موافقة مسبقة من السلطات المختصة، ولقائه قوات تركية موجودة داخل الأراضي بصورة غير مشروعة، فضلاً عن إدانتها لتصريحات وزير الداخلية التركي بشأن نية تركيا إنشاء قاعدة عسكرية دائمة في شمال العراق»، مؤكدة أن «الحكومة العراقية ترفض بشكل قاطع الخروقات المتواصلة لسيادة العراق وحرمة الأراضي والأجواء العراقية من قبل القوات العسكرية التركية، وأن الاستمرار بمثل هذا النهج لا ينسجم مع علاقات الصداقة وحسن الجوار والقوانين والأعراف الدولية ذات الصلة».
تركيا تشغل 37 موقعاً عسكرياً داخل الأراضي العراقية، ما بين قاعدة، ونقطة عسكرية، ومركز استخبارات علني، بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الـ«بي كي كي»، في مناطق مختلفة من شمال العراق مثل خاوكورك، زاخو، بامرني، العمادية، باطوفة، كاني ماسي، سنكي، جبل كيستة، بعضها لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، وأخرى في عمق الأراضي العراقية على بعد 140 كيلومتراً عن الحدود العراقية التركية، كقاعدة بعشيقة التي تقع شمال شرق مدينة الموصل، على بعد 12 كيلومتراً عن مركز المدينة، التي أنشأها الجيش التركي أواخر عام 2014، بحجة تدريب عناصر «الحشد الوطني» لمحاربة تنظيم داعش بقيادة أثيل النجيفي محافظ نينوى الفار والمتمرد على حكومة بغداد المركزية! وقد تجاهلت تركيا الاحتجاج الرسمي والمطالبة العراقية بسحب قواتها من بعشيقة الذي قدمه العراق إلى مجلس الأمن الدولي في الـ12 من كانون الأول 2015، حيث لا يزال الجنود الأتراك موجودين في بعشيقة حتى تاريخه.
من اللافت أن هناك تغاضياً، بل تنسيقاً وتسهيلاً من قبل حكومات إقليم كردستان لوجود القوات التركية ضمن الأراضي العراقية، لدعم مطامعها في المناطق المتنازع عليها مع بغداد، وخصوصاً منطقة سنجار، التي حاولت القوات التركية مراراً الوصول إليها، إلا أن وجود ألوية «الحشد الشعبي» وقوات الجيش العراقي فيها، حال دون ذلك لخشيتها من وقوع مواجهة عسكرية مع تلك الألوية والقوات.
الحكومة التركية على الدوام وقحة وغادرة، أقامت كل قواعدها من دون أخذ رأي أو موافقة الحكومة العراقية، وهي غير مكترثة بالاحتجاجات والمواقف العراقية الرسمية من توغل قواتها داخل أراضيه، مستفزة مشاعر كل العراقيين برفع العلم التركي والقيام بالاستعراضات العسكرية في المناطق التي احتلتها.
تركيا اليوم تستخدم المياه كسلاح للضغط على سورية والعراق معاً، لفرض وجود قواتها على أراضي البلدين كأمر واقع، حيث تستمر بحجز مياه نهر الفرات، متسببة بانخفاض مرعب في منسوب المياه في كلا البلدين، مدمرة بذلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية على ضفتي نهر الفرات، مهلكة بذلك الثروة السمكية أيضاً.
لقد انتهت تركيا مؤخراً من إعداد الخرائط والتصاميم الخاصة ببناء سد الجزرة الذي يقع بعد سد اليسو مباشرة على نهر دجلة، ما يهدد بقطع كامل الإطلاقات المائية إلى الأراضي السورية والعراقية، عند تنفيذه، ما يتطلب تنسيقاً وتحركاً سريعاً للبلدين على المستوى العربي والإقليمي والدولي لدرء الكارثة قبل حصولها، وتنسيق الجهود في ذات الوقت لمقاومة الغزو التركي لأراضي كلا البلدين.
المثل الآشوري يقول: «للشيطان وجوه عديدة أحدها وجه التركي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن