أعرف أن الكتابة الآن عن هذه الشخصية البترودولارية، التي انكشفت وانفضحت بعد سقوط ورقة التوت حتى، سيبدو خارج السياق، وقد يرى فيه البعض أنه كالنبش في جثث الموتى، أو إعادة عرض للمومياءات أمام الجمهور، أو تحريك مياه راكدة تصدر روائح عفنة، قاتلة، كلما حركتها، مع ذلك كله يبدو لي الأمر مهماً، ليس لإثبات أشياء أصبحت من البديهيات، ولكن لتقديم أدلة على نموذج «النعامة التي تريد دفن رأسها في التراب»، وعلى ذاك المفكر الذي ظل لسنوات يقدم برنامجاً لجماعات افترضت نفسها «معارضة»، بعنوان «حديث في الثورة»، الذي كان يبيّض صفحة المؤسسة، أي « شبكة الجزيرة»، كما قال له مذيع القناة علي الظفيري في التسريب الشهير له.
القضية ليست في الاستهداف الشخصي لـعزمي بشارة، فهو قد سقط سياسياً وأخلاقياً، وانكشفت أوراقه، حتى لو غير أدواته من قناة «الجزيرة»، إلى قنوات أخرى تمولها قطر سواء في تركيا أم لندن، لتحدثنا عن أسس التغيير الديمقراطي السلمي، وهذا الحديث الممل، بعد انكشاف الأوراق كلها.
في التاسع من أيار الجاري استضافت قناة «سورية» التي تمولها قطر في برنامج اسمه «منتدى دمشق» عزمي بشارة للحديث عما سموه «عشر سنوات من الثورة السورية»، والحقيقة أنني تابعت المقابلة لأستشف خلاصات عزمي بشارة بعد عشر سنوات، وتبين لي أنها كالتالي:
1- مؤسسات الدولة السورية بقيت ولم تتفكك.
2- الجيش لم ينشق، على الرغم من وجود فارين منه.
3- فرّ رئيس وزراء، لكن بقيت المؤسسات متماسكة.
4- حزب البعث حزب قومي عربي وليس طائفياً.
5- حلفاء «النظام»، وفق تعبيره، أقوياء ويدعمونه.
6- الحصار يؤذي الشعب السوري، وهناك لوبي سوري في أميركا ساهم في دعم فرض العقوبات.
7- النظام لم يستعمل كلمة طائفية لأنه نظام قومي عربي، والحكم في سورية ليس دينياً.
8- أفضل شيء في سورية هو الإصلاح التدريجي، لأنها بلد شديد التنوع، والثورة ليست بديلاً، لكن الشعب خرج للثورة، ماذا تفعل؟ بالطبع تدعم الشعب؟! كلامه هنا ليبرر أحاديثه، وارتكاباته السابقة!
9- أميركا لن تمنع أحداً من التطبيع مع النظام، وعلينا أن نستعد للتغييرات ما بين: أميركا وروسيا، أو أميركا وإيران.
على المقلب الآخر قال عن ثورجييه الذي حمسهم ودعمهم ومولّهم، ونَظَّر لهم ما يلي:
1- الثورة لم تنتصر!
2- المعارضة ضعيفة ومفككة.
3- لا بدائل سياسية عن النظام القائم.
4- الميليشيات المعارضة كان طابعها طائفياً، ومارست ممارسات سيئة ضد المدنيين، ولم يكن لديها قيادة موحدة، وكل طرف يريد الزعامة، وأن يكون أمير حرب.
5- تشتت الفصائل، والخطاب الطائفي المنفر، والفساد، وعدم وجود قيادة سياسية موحدة.
6- ظهور مشايخ يحرضون طائفياً مثل العرعور، وقنوات تلفزيونية تحرض! هنا نسي عزمي بشارة زميله يوسف القرضاوي، فقط ليركز على السعودية دون رب عمله، وراعيه قطر!
7- الدول ليست جمعيات خيرية.
8- لا مجموعة معارضة لديها كرامة وطنية، والمعارضون تآمروا على بعضهم البعض.
9- التاريخ لا يحكم على النيات الطيبة، لقد فعلوا ما يستطيعون لكن ما النتيجة؟ هي الفشل.
الآن: بمقارنة بسيطة بين نقاط المجموعة الأولى والثانية، نجد أن عزمي بشارة، أي برنارد ليفي الناطق بالعربية، ينعي ويعلن انتهاء ما سموه «ثورة سورية»، بنتيجة هي الفشل الذريع، ولكن بنتائج انعكست على كل أبناء الشعب السوري، دماراً واسعاً، وهو بهذه المقابلة يدفن مرة أخرى رأسه بالرمال، ويحاول تبرير هذا الفشل الذريع الذي كنا نتوقعه ونوصفه بالقول إن ما حدث في سورية هو «عشر سنوات من العار»، وإن كل من أيد هذا العار هو يعرف أنه عار، حتى لو غطاه بألف غطاء ديمقراطي، وحقوقي، مع قليل من الحديث عن الاستبداد والطغيان.
ما يجعل عزمي بشارة ضعيفاً حتى علمياً، على الرغم من محاولات التذاكي، والتلاعب بالألفاظ، التي يتقنها، أنه لم يجد تفسيراً لتماسك مؤسسات الدولة، وتماسك وثبات الجيش العربي السوري، وتضحياته الهائلة، ولم يجد تفسيراً للالتفاف الشعبي حول الرئيس بشار الأسد، والجيش، والمؤسسات، وهي «عبارة» حاول كثيراً أن يتفاداها، وألا يقولها، ولكنها هي كذلك.
وإذا كان حزب البعث حسب عزمي بشارة، حزباً قومياً عربياً، وليس حزباً طائفياً، والنظام السياسي في سورية ليس طائفياً، ولم يستخدم كلمة طائفية، وفي المقابل يؤكد بشارة أنه لم تبق كلمة طائفية ومذهبية بما فيها إقصاء الآخر إلا واستخدمتها التنظيمات الإرهابية، ويتابع أن المعارضة السورية السياسية مفككة، ولم تقدم شيئاً بديلاً، وبلا كرامة وطنية، وتتآمر على بعضها البعض، وتعمل بصفة عملاء لدى أجهزة مخابرات الدول المختلفة! فكيف كان يتوقع عزمي بشارة لهؤلاء أن ينتصروا، واعتقادي أن دوره كان تحريض جزء من السوريين لتدمير بلدهم، واستخدامهم كأداة، وجسر لتنفيذ مخطط كبير، بات معروفاً ضد سورية كدولة، وكشعب، ولكن دون أن يتحدث عن ذلك مباشرة.
تفادى عزمي بشارة بتقييمه للسنوات العشر كلام معلمه حمد بن جاسم عن الـ 137 مليار دولار، التي أنفقتها راعيته قطر في سورية، وتفادى الحديث عن دور الإعلام الذي كان جزءاً منه في التضليل والكذب على الناس باسم الثورات، والتغيير الديمقراطي، دون أن يقول لنا ويفسر: ما هو الحبل السري الذي كان بين قناة «الجزيرة» والتنسيقيات التي كانت أقرب إلى خلايا مخابراتية، تعمل في الداخل السوري! ثم ما الحبل السري بين يوسف القرضاوي والتحريض الطائفي في سورية، كي لا يتم اتهام السعودية، وتبرئة قطر!
في كل الأحوال حاول عزمي بشارة في هذه المقابلة إلقاء اللوم على بعض السوريين الذين تورطوا في هذا المشروع القذر لتدمير بلدهم، وتخفيف الخيبة والفشل الذريع، الذي بدا على وجهه، بالقول: التاريخ لا يحكم على النيات الطيبة، بمعنى أنهم كانوا سذجاً وأدوات! فعلوا ما يستطيعون، لكن النتيجة كانت: الفشل!
بشارة مهد للمرحلة الجديدة التي يعرف أنها آتية بالقول إن أميركا لن تمنع أحداً من التطبيع مع سورية، وعلينا ترقب المتغيرات القادمة، التي ستحصل، ودعا من تبقى من «البلهاء» إلى تنظيم أنفسهم للمرحلة القادمة، على مبدأ «سراب الصحراء»! الذي لا نهاية له.
حاول بشارة كثيراً عبر اللف والدوران، تبرير هذا السقوط الكبير، والهزيمة المنكرة للمشروع الخارجي ضد سورية، وشعبها، وجيشها، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، وقدم لنا من الأدلة ما يكفي لتأكيد صحة خياراتنا الوطنية، وخيارنا بانتخاب الرئيس بشار الأسد كقائد وطني، وقومي، نجح مع جيشه، وشعبه بإسقاط أخطر مشروع شيطاني ضد سورية.
عزمي بشارة قدم الرثاء الأخير، وعلق نعية سقوط المرتهنين، وأعلن انتصار سورية القادم حتماً، على الرغم من بقاء التحديات أمامنا التي تجاوزنا الجزء الأكبر منها.
انتخاب الرئيس الأسد هو تأكيد جديد لهؤلاء المتآمرين أننا في الاتجاه الصحيح، وخيارنا واضح مهما تباكيتم، وحاولتم إخفاء هزيمتكم المنكرة.
انتظروا قرار الشعب السوري الذي تاجرتم باسمه عشر سنوات، والآن تتباكون عليه.
لكنها متعة ما بعدها متعة، أن يكتب نعية وفاة «ثورة العار» أحد أهم وأخطر منظريها.