من دفتر الوطن

الواو الكافرة

| حسن م. يوسف

لم يتمكن المواطن السوري وائل محسن البالغ من العمر ستين عاماً من متابعة طريقه إلى ضاحية اليرزة البيروتية للمشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية العربية السورية في مقر السفارة السورية هناك، لأنه أصيب بذبحة قلبية قاتلة أثناء الاعتداء الضاري بالهراوات والحجارة على الحافلة التي كان يستقلها في منطقة سعد نايل ــ تعلبايا، من بلطجية محترفين يتبعون ميليشيا القوات اللبنانية، في محاولة يائسة من جعجع ومشغليه لقطع الطريق على التغيّرات الإقليمية الوشيكة التي سدد فاتورتها جنودنا وأهلنا بالعناء والدماء.
الجانب الأكثر مرارة في مأساة المواطن السوري وائل محسن، هو أنه ذهب ضحية إحدى القوى التي استغلت خوفه، وشجعته وأمثاله من السوريين، على النزوح إلى لبنان في بداية الحرب. فبناء على أوامر مشغليها قامت هذه القوى (اللبنانية) ببناء الخيام للاجئين سوريين على الحدود في منطقة المصنع ورفعت فوقها لافتات الترحيب، على أمل أن تستخدم هؤلاء اللاجئين في زعزعة الدولة السورية وإغراقها في الفوضى التي هي رأس الشرور على حد قول المعلم الكبير سوفوكليس.
أحسب أن التدفق الطوعي للمواطنين السوريين المقيمين في لبنان إلى سفارة البلاد في بيروت يوم الخميس 20 أيار الحالي لممارسة حقّهم الوطنيّ والدستوريّ من خلال المشاركة في الانتخابات الرئاسية، أمر جدير بالتأمل، لكونه ينطوي على دلالات عديدة، أهمها أن السوريين رغم اختلاف آرائهم، يضعون وطنهم ودولتهم فوق كل اعتبار، وهذا حدثٌ كاشف يدلل بشكل قاطع على شعور السوريين العميق بالمسؤولية الوطنية ما يشجعني على الاستنتاج بأن الحرب- الجريمة التي تجري على أرضنا منذ عشر سنوات ونيف، ما كان لها أن تقع أصلاً لو لم تقم الفاشية العالمية بتوظيف مبالغ خرافية لجلب حثالة إرهابيي العالم لمحاربة الدولة السورية.
الطريف في الأمر هو أن بعض البلدان (الديمقراطية) التي استثمرت في الحرب الفاشية على وطننا السوري، وفي مقدمتها رأس البلاء أميركا صرَّحت منذ أكثر من عام ونصف العام بأنها لن تعترف بنتائج الانتخابات. أما ألمانيا وتركيا فقد رفضتا السماح بتنظيم العملية الانتخابية على أراضيهما، وحرمتا السوريين المقيمين فيهما من المشاركة في الانتخابات، حرصاً منها على مواصلة استغلال ملف اللاجئين لأطول مدى ممكن، لأن كلاً منهما تزعم أمام الرأي العام الداخلي فيها، أن سورية بلد فاقد للأمان وغير صالح للعيش فيه، وأن هؤلاء السوريين هاربون من بلادهم ولا يريدون العودة إليها، وإذا أقبل اللاجئون السوريون على المشاركة في انتخابات رئاسة الجمهورية فهذا من شأنه أن يحرج هذه الدول أمام القوى السياسية بداخلها، التي تطالب بعودة السوريين إلى بلادهم، ولهذا قامت هاتان الدولتان (الديمقراطيتان) بمنع إجراء الانتخابات فيهما، وحرمان اللاجئين السوريين من ممارسة حقهم الدستوري.
قبل الشروع في كتابة هذا المقال أمضيت عدة ساعات مع الأديب اللبناني المدهش سعيد تقي الدين (1904 – 1960) وقد استمتعت بفكره اللامع، الناقد، الحاذق، الساخر، ووقفت متأملاً أمام عبارته الشهيرة: «بين سورية ولبنان هذه الواو الكافرة».
وفي لحظة من الشرود رأيت هذه (الواو الكافرة) تتحول إلى قطيع من المستذئبين وهم يعتدون على إخوتي السوريين لمجرد أنهم لم ينسوا هويتهم السورية وأرادوا ممارسة حقهم في انتخاب رئيس بلدهم وصياغة مستقبل وطنهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن