يحمل هذا الشهر بوادر الحياة والثمر في الأرض، فهذا أوان إثمار الأرض في مواسم الخير، ويحمل كذلك بوادر الخير لسورية الأمس واليوم والغد، وسورية ليست في غدها منفصلة عن حاضرها وعن أمسها، ولن تكون، لكنه الموسم الذي تحدد فيه سورية وبنفسها خيارات الغد لها، معتمدة على إرث وتاريخ ومعاناة، ومما لا شك فيه أن السوريين اليوم قد خرجوا من تجربة مرّة استمرت لعقد من الزمن تلونت بالدمار والقتل والدم والخراب قد خرجوا بنتائج مهمة كل واحد في مكانه، وعلى كل صعيد، ومرّوا بتجربة متميزة في سعي أعداء سورية حقاً، وليس بشعارات إلى إسقاط الدولة السورية، وقد بذل الأعداء جهوداً كبيرة لا يمكن تخيلها من الأقبية والغرف المغلقة، وعلى الأرض، واستعانوا بكثيرين من الذين أرضعتهم سورية، والذين حاولوا شيطنة سورية بكل سبيل وبكل وسيلة، ولكن سورية لم تكن فريستهم، والدولة السورية بقيت على الرغم من الصعوبات والتحديات، واستمرت تعمل بوتائر متعددة المستويات، لكنها أبداً لم تتنازل عن حقها وسيادتها، وعن المواطن الذي بقي سورياً ومتجذراً، وإن نال هذا المواطن الكثير من التعب والإرهاق وضيق العيش، وكل ما نراه ونشهده من تضييق في الداخل والخارج يعجز عنه أي مواطن آخر في العالم أجمع، من أقصاه إلى أقصاه، من أوروبا إلى أميركا، إلى الشرق والوطن العربي، ولا يستثنى شعب من هذه القاعدة! وحدهم السوريون هم الذين بقوا وقاوموا وتمسكوا.. من السهل أن تقاوم جيشاً، لكن القدر جعل السوريين في مواجهة الحياة والبقاء.. فبقي السوري يذهب إلى عمله ووظيفته، يزرع أرضه، ويعمل على آلات المصنع، يذهب إلى طلابه، وبقيت مقاعد الدراسة عامرة بطلابها وأحبابها.. كل شيء في سورية بقي طبيعياً، وإن اختلفت المقادير، وضمن الشروط التي فرضت بقي السوري متأقلماً، وناهضاً للحياة، ويرنو إلى حياة أفضل، ويسير تارة ببطء، وتارة بقوة متسارعة، ويراهن العالم أجمع على قدرته على البقاء، مهما تكاثر خصوم سورية في الداخل والخارج، ومهما كبرت دائرة الفساد التي أرادت أن تساعد في طحنه، ومهما حاولت المؤامرات التي أرادت أن تشلعه من جذوره وتاريخه ووطنه.
المسألة السورية وما جرى في سورية يحتاج الكثير من التمعن والدراسة، وهذه الدراسة لا تقوم على مفهوم التاريخية والماضوية والتغني بالماضي المجيد، فهذا أمر لا مكان له، ولن يسمن ولن يغني من جوع، ومن المؤكد بأنه لا يرتكز إلى رؤى أيديولوجية، فكل الرؤى والأيديولوجيات، وبلا استثناء أثبتت إخفاقها، ولملمت أوراقها ورحلت عن الأرض السورية، وإن بقيت ظلالها وأشباحها يتلاعب بها الهواء ونسائمه التي تلفظ كل ما هو خارجي ودخيل.. ومن المؤكد أنني لست ممن يرون أن الإنسان السوري دون سواه مؤدلج ومسيّس، ويملك رؤى واعية للغاية، ولو كان الأمر كذلك ما وصلنا إلى ما وصلنا إليه عبر عقد من الزمن، وما كنا بعد عشر سنوات، وحصيلة من الدمار الهائل نجد الدعوة إلى الاعتراف بالأمر الواقع! وما وجدنا الصمت المريب ممن أحرقوا سورية، واستغلوا كل منبر ووسيلة من أجل الدمار!
ولعلّ أهم نظرية اقتصادية وإدارية يلمسها البسطاء وغير المتخصصين مثلي هي الإدارة بالنتائج، فالذي يعنيني بأي شيء هو النتيجة والخاتمة، ولست مضطراً لقضاء عمري في الدمار لأصل إلى نتيجة ما، بل من البداية أفكر بما أنا فيه، وما أنا عليه، وما يمكن أن أحصل عليه بغاية جمعية مجتمعية لا فردية وأعمل لأجلها، وأترك مسألة الخلاص الفردي لنفسي ومن يلوذ بي، والخلاص الفردي يدفعني إلى مزيد من العمل وبذل الجهد على الصعيد الشخصي.
لا بد لي من مراجعة دقيقة ولو كانت قاسية، وهذه المراجعة لا يقوم بها أصحاب المصالح واللصوص والمستنصبون، فهؤلاء لا يعنيهم سوى شيء واحد يتمثل في مصالحهم، ووصولهم إلى غاياتهم، دون النظر إلى أنهم يستحقون هذه المكانة أم لا، فالمستنصب يريد إزاحة الجدير، وينسى ما يملكه من مواصفات ليست ذات قيمة، واللص يريد ظرفاً يمارس فيه لصوصيته، وأصحاب المصالح لا تتحقق مصالحهم إلا في غمرة الفوضى، ويغيب عن هؤلاء أنه عندما تحين ساعة المحاسبة الدنيوية، سيكونون في بؤرة الاحتراق، وأنه ما من أحد خارج هذه البؤرة، فإن كنا مؤمنين، فإن الله لا يغفر الذنب الذي يتعلق بالإنسان، وهذا سيدفع ثمنه في الدنيا وعلى مرأى، ولن يكون في آخرة..! وإن لم نكن مؤمنين فإننا نشاهد كيف تتم المحاسبات، ففي لحظات الهدوء يعود كل شيء إلى نصابه وكل ما جرى يبدأ تصويبه، ولكنه وفي كل الحالات، الذي يدفع الثمن هو الوطن والإنسان البسيط، وهما من يعوّل عليهما.
الغد القريب هو مسؤولية السوريين جميعاً، لتسقط كل الرهانات على سورية، ولتقم سورية قيامتها، ولتعد إلى الألق بعد أن استطاعت دحر كل المعتدين، وتعرية المتآمرين عليها في الداخل والخارج..
مهما كان رأي الإنسان يجب أن يندفع إلى هذا الاستحقاق الذي يمثل طوق نجاة السورية باختيار الطريق المثلى لسورية القادمة من عمق تاريخها.
وليس غريباً أو مجافياً للحق أن نعبر بوضوح عن خيارنا للرئيس بشار الأسد لقيادة سورية في المرحلة القادمة فهو الأكثر قدرة وحرصاً وشجاعة على العبور بسورية إلى شاطئ الأمان.