نشر الجنرال المتقاعد من الجيش الإسرائيلي غيرشون هاكوهين أول من أمس الجمعة تحليلاً موجزاً في مجلة الأبحاث «إنتاج المعرفة» العبرية عما آلت إليه نتائج انتصار فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني على الحرب التي شنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة وبقية الأراضي الفلسطينية بهدف فرض سياسته على مدينة القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية والقضاء على أسلحة وصواريخ قطاع غزة واعترف في تحليله بأن فصائل المقاومة «نجحت حين حددت أن الهدف هو الدفاع عن القدس وحمايتها وبهذا التحديد أصبح الثمن الذي دفعته في القطاع مبرراً أمام مهمة كهذه التف من حولها كل العرب والمسلمين» وبالمقابل يرى أن «قيمة أي إنجاز تحققه إسرائيل سوف يظل مرتبطاً بمدى استمرار فترة التهدئة التي تنتظرها مستوطنات غلاف غزة وكذلك بمدى ما تضمنه التهدئة لتحقيق المصالح الإسرائيلية القومية في القدس ومع هذه المقارنة يبدو أن إمكانية التدهور المتجدد للوضع والقتال ستبلغ درجة كبيرة».
ويقر هاكوهين بأن الجيش «فوجئ في هذه الجولة القتالية ومع ذلك وصل إلى ميدان المعركة جاهزاً لكن انتهاء هذه الجولة واحتمال اندلاع جولة أخرى يفرض على الجيش استخلاص الدروس وتحديد فكرة قتالية مستجدة وهذا ما يستوجب دراسة المزيد عن قدرات الفصائل الفلسطينية في داخل غزة ومركز سلطتها».
وبالمقابل يعرض يعقوب كاتس في صحيفة جروزليم بوست الإسرائيلية الصادرة أول من أمس صورة الهزيمة الإسرائيلية التاريخية أمام فصائل المقاومة في قطاع غزة خلال 16 عاماً من الحروب العديدة التي شنتها قوات الاحتلال على القطاع ويعرض الوقت الذي استغرقته كل حرب منذ عام 2006 فقد طالت تلك الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل اسم «أمطار الصيف» أربعة أشهر ثم تلتها عام 2009 حرب «الرصاص المسكوب» لمدة ثلاثة أسابيع وجاءت بعدها عام 2012 حرب «أعمدة الدفاع» لمدة أسبوع ثم جاءت حرب «جرف الحماية» عام 2014 ودامت 50 يوماً وتلتها عام 2019 عملية الحزام الأسود لمدة 72 ساعة وها هي حرب «حارس الأسوار عام 2021» تطول 11 يوماً وبقي قطاع غزة يزداد قدرة.
ولا شك أن هذا الإحصاء الذي يعرضه كاتس يدل على أن قوات الاحتلال استخدمت كل تجاربها الحربية الوحشية ضد مليونين من الفلسطينيين لكسر إرادتهم وتفتيت قدراتهم العسكرية ومقاومتهم وبرغم كل التضحيات التي قدمها هذا الشعب في قطاعه الضيق كان ينتصر برغم أن الحروب التي شنت عليه كانت تجري وهو محاصر من الأرض والسماء والبحر علماً أن الجيوش حين تتمكن من محاصرة قوات أو هدف ما بهذا الشكل فإن قيمة حصارها تجعلها تفوز بأوراق قوة واضحة وبتفوق مادي عسكري لكن إرادة صمود الشعب وشجاعة فصائله المقاومة ودأبها على زيادة قدراتها جعل هذه الإرادة تنتصر على إرادة العدو في حروبه الست منذ عام 2006 وقد ازدادت صعوبات هذا العدو حين انضمت جبهة أخرى على الأراضي الفلسطينية نفسها في الضفة الغربية إلى المجابهة على طريقتها وطورت قدراتها وجمعت مصادر قوتها بكل شكل ممكن في القدس ومدن الضفة الغربية وحشدت ملايينها الثلاثة في مقاومة متقدمة يتداخل وجودها بين قوات الاحتلال ومستوطناته وطرقه الالتفافية وهي جبهة تملك إرادة مماثلة لإرادة الشعب في قطاع غزة وهي محاصرة على غرارها من كل اتجاه ولسوف نزداد قوة من دون شك بعد هذا الانتصار الذي حققه الشعب الفلسطيني في الجنوب والوسط وفي أراضي فلسطين المحتلة عام 1948.
وبهذه النتائج المذهلة التي تحققت للشعب الفلسطيني ومقاومته سيستحيل بعد هذه المرحلة أن يسود الوضع الذي فرضته إسرائيل في الضفة الغربية وحول قطاع غزة وقد بدأ زمن تطوير مكاسب هذا الانتصار لتحقيق المزيد من الانتصارات وخاصة في هذه الظروف التي تلملم قوات الاحتلال انتكاساتها وخيبات أملها. وبالمقابل لم يعد هناك عذر لكل من لا يتجه نحو تدعيم وحدة وطنية مقاومة صنعت هذا الانتصار وفاء لدماء الضحايا والشهداء فالدرب واضح والتجارب أثبتت أن المقاومة هي التي تضمن حقوق الشعوب وأن المقاومة الفلسطينية جزء من محور المقاومة الذي يشكل جدار الدفاع عن كل فصائل المقاومة الفلسطينية والعربية.
وأصبح من الواضح أن مهام مرحلة ما بعد هذا الانتصار ستحتل أهمية كبيرة لأنه من الطبيعي أن تعد إسرائيل نفسها الآن لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الميدان بطرق أخرى ولا شك أن معركة التمسك بمكاسب الانتصار والمحافظة عليها تستحق النظر إليها بالأهمية القصوى في ظل هذه المرحلة.