قبل عام من تفشي جائحة فيروس كورونا، شهد العالم مسحة من التفاؤل بشأن اتجاهات الفقر؛ فعلى مدار عقدين انخفضت معدلات الفقر المدقع وكانت تحديات كبيرة مثل الديون تلوح في الأفق بالنسبة لأشد الدول النامية فقراً، ثم وخلال عام ونيف، كانت الدول النامية الفقيرة الأكثر تضرراً من جائحة كورونا.
ثمة ملاحظتان وردتا في تقرير للبنك الدولي؛ الأولى أن كوفيد19 هو الصدمة الأكثر ضرراً في زمن السلم والتي يتعرض لها الاقتصاد العالمي منذ قرن، والثانية أن الركود الذي نشأ عنها هو الأول منذ 1870 الذي تتسبب به جائحة فقط.
جاءت صدمة الجائحة لتدفع 71 مليون شخص إلى «الفقر المدقع»، بدخل أقل من 1.9 دولار يومياً في الدول الفقيرة فكانت الجائحة صدمة اقتصادية وصحية.
ألحقت جائحة كورونا ضرراً بالغاً، حيث أصابت أكثر من 150 مليون شخص بالفيروس وراح ضحيتها أكثر من ثلاثة ملايين، وأقحمت العالم في حالة من الركود الشديد والتدهور في الأداء الاقتصادي بسبب استمرار تفشي الوباء في البلدان النامية التي تضررت بشدة بسببه، ومن الصعب تنفيذ كل الإجراءات اللازمة، نظراً لأن القدرات الصحية والمالية للحكومات محدودة خاصة مع التحديات الاقتصادية العالمية، كالركود، وانخفاض أسعار السلع، وضعف التحويلات والإيرادات من السياحة، وتراجع التجارة العالمية.
تقارير البنك الدولي لعام 2020، أكدت سيناريو استمرار تفشي الجائحة، ما أجبر الدول على الإبقاء على تدابير الإغلاق أو إعادتها، ووصل الانكماش إلى 8 في المئة، ليزداد عدد الفقراء المدقعين إلى 100 مليون عام 2021.
كان للجائحة تأثير طاحن في فقراء العالم بشكل خاص إذ حذرت الأمم المتحدة من أن الفقر سيزداد في بعض المناطق إلى مستويات لم نشهدها منذ 30 عاماً.
وأدت الأزمة إلى حدوث انحراف في مسار أهداف التنمية الأساسية، خاصة الدول النامية منخفضة الدخل التي شهدت عدم توازن بين الإنفاق لحماية الأرواح والأرزاق وبين الاستثمارات في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية المادية بحلول نهاية عام 2021، وحسب نشرة آفاق الاقتصاد العالمي لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن تزداد احتياجات التمويل الخارجي في الدول النامية المؤهلة للاقتراض من مؤسسة التمويل بنسبة تصل إلى 3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يمثل أكثر من 67 مليار دولار من الاحتياجات الإضافية بالمتوسط على مدار خمسة أعوام بين برنامج الأغذية العالمي، إن جائحة كورونا أوصلت 96 مليون شخص في الدول النامية إلى شفير انعدام الأمن الغذائي عام 2020.
يتوقع أن تدفع الأزمة 26 مليون شخص تقريباً في المناطق المتأثرة بالصراعات إلى السقوط في براثن الفقر المدقع في عام 2021.
سؤال: كيف للدول النامية أن تحقق تقدماً نحو أهداف التنمية المستدامة في ظل ظروف الجائحة؟ علماً بأن أهداف التنمية ومكافحة الجائحة في الدول النامية تتمثلان في خمس مجالات وهي: الصحة والتعليم والطرق والكهرباء والمياه والمرافق الصحية.
الدول النامية تحتاج إلى 2.5 تريليون دولار من أجل مواجهة آثار الجائحة بشكل مستدام، والمتاح أقل بكثير.
ورغم الأخبار المشجعة عن بدء تلقي اللقاحات التي تمنحنا الأمل، فإن المؤسسة الدولية للتنمية تواصل العمل لمواجهة أزمة الصحة والأزمة الاقتصادية التي خلفتها الجائحة ومع أهمية المشاريع التي تمولها المؤسسة، إلا أنها ليست كافية ويحتاج المجتمع الدولي لتوفير الموارد بهدف خفض الفقر المدقع بحلول عام 2030.
قدمت المؤسسة الدولية للتنمية 5.3 مليارات دولار في شكل ارتباطات جديدة بخصوص الأمن الغذائي حتى نهاية آذار 2021.
بالمقابل، يجب أن يتمثل الهدف في تحقيق استدامة الاقتصاد الكلي والاستدامة البيئية والاجتماعية ولن تتمكن معظم الدول النامية منخفضة الدخل من تعبئة الموارد الضرورية لتمويل إجراءات مواجهة الجائحة، وهي بحاجة إلى دعم استثنائي من المجتمع الدولي من المانحين والمؤسسات المالية الدولية.
على الدول أن تتوصل إلى التوازن الصحيح بين تمويل التنمية وإبقاء الديون في حدود مستدامة، والاحتياجات الفورية الملحة، وبين الاستثمار في البشر والنهوض بالبنية التحتية ومتطلبات إدارة الجائحة، بالإضافة إلى مواصلة تنفيذ برنامج إصلاحي بالأولويات التالية:
– تعزيز النمو لأنه من الضروري إجراء إصلاحات هيكلية داعمة للنمو وتعزيز الاستقرار الاقتصادي الكلي، والشفافية، والحوكمة.
– تدعيم القدرة على تحصيل الضرائب لتأمين موارد للخدمات العامة الأساسية ويتطلب ذلك إصلاحات السياسة والإدارة الضريبية.
– رفع كفاءة الإنفاق: فنحو نصف الإنفاق على الاستثمار العام يتعرض للهدر في الدول النامية.
– تحفيز الاستثمار الخاص: فتعزيز الإطار المؤسسي سيساعد على تحفيز مزيد من الاستثمارات الخاصة.
تنفيذ هذه الإصلاحات، قد يؤمّن نصف الموارد المطلوبة، – زيادة تدريجية في المساعدة الإنمائية للمجتمع الدولي من مستواها الحالي الذي يبلغ 0.3 في المئة إلى المستوى المستهدف من الأمم المتحدة وهو 0.7 في المئة من إجمالي الدخل القومي، سٍيسمح للدول النامية منخفضة الدخل بتحقيق أهداف التنمية بحلول عام 2030.
ومن المفيد في اقتصادات التنمية (اقتباس عنوان كتاب): «فقط أعطوا المال للفقراء» Just Give Money to the Poor. يعرف الفقراء احتياجاتهم الخاصة أفضل مما يعرفها العاملون في الإغاثة، يمكن الآن للدول والمنظمات غير الحكومية الدفع مباشرة في الحسابات المصرفية للفقراء، ما يقلل من مخاطر الاختلاس.
الإجراءات المشار إليها تساهم في تحقيق تعافٍ قادر على الصمود بمواجهة الجائحة في الدول النامية، علماً بأن لبعض المساعدات الدولية علاقة بتوجهات سياسية انتقائية عدوانية للإدارة الأميركية ضد الدول النامية، الجائحة هي أزمة مشتركة تحتاج إلى استجابة دولية تعاونية للعمل معاً وكما قال البروفسور الأميركي العالم جوزيف ستيجليتز: «إن الرخاء الوحيد الذي يعد حقيقياً ومستداماً هو الرخاء الذي يشترك فيه الجميع» على أمل مساعدة الدول النامية والفقيرة لمواجهة الجائحة والحد من تداعياتها الصحية والاقتصادية.