قضايا وآراء

عندما يصبح الوهم إستراتيجيا

| منذر عيد

ربما بلغت مواقف أصحاب الرؤوس الحامية من ميليشيات «قسد» حد الحماقة، عندما رفضت السماح بإجراء الانتخابات الرئاسية في المناطق التي تسيطر عليها في شمال شرق البلاد، متكئة في غيها ذاك على موقف سيدها المحتل الأميركي، لتنسف بذلك جميع الجسور التي كان بإمكانها العبور من خلالها إلى ضفة الوطن، لتكون شريكاً في بناء مستقبله، حالها حال بقية مكونات المجتمع السوري، ولتفضل لعب دور العمالة، والخيانة للوطن والشعب، لينطبق عليها قول تشي غيفارا «من يخون وطنه كالذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه»، بل إن ميليشيات «قسد» جسدت ذاك المثل بحرفيته عندما تحولت إلى حارس لقوات الاحتلال الأميركي وهو يقوم بسرقة القمح والنفط السوري من المناطق التي يحتلها شمال شرق سورية.
يبدو أن ميليشيات «قسد» لم تضّيع البوصلة التي ترشدها إلى طريق الوطن، بل عمدت إلى كسرها مذ أعلنت المناطق التي تسيطر عليها بقوة البندقة الأميركية منطقة حكم ذاتي انفصالي، وبدأ الوهم بإقامة دولة كردية يتضخم في أذهان «منظريها» ويتحول إلى حالة مرضية، نالت من إدراكهم للحقيقة وما يجري على أرض الواقع ما نالت منهم، وجعلتهم يتخبطون في تبرير تماهيهم مع أعداء الوطن ممن رفض إجراء الانتخابات في الخارج، أو عمل على التشكيك بشرعيتها، ليكرر ما يسمى «مجلس سورية الديمقراطية» «مسد» الجناح السياسي للميليشيات في بيان أنه غير معني بأي انتخابات، لا تحقق أهداف السوريين في حياتهم وحقوقهم وحضورهم السياسي، ولن يكون طرفاً ميسراً لأي إجراء انتخابي يخالف روح القرار الأممي «2254»، لينصب بذلك نفسه ناطقا باسم جميع السوريين زوراً، ويتعامى عما شهدته سفارات سورية في الخارجة من إقبال واسع على صناديق الاقتراع، وهي على أرض أسيادهم، ومثلهم الأعلى في «الديمقراطية»، وليظهر «المجلس» ومن صاغ البيان بأنهم يغردون خارج سرب الحقيقة وما يجري في الواقع عندما أرادوا إعطاء شيء من القوة والمصداقية لموقفهم «التابع» عندما أسندوا رفضهم ذاك إلى الشرعية الدولية والقرار 2254، ليتضح أنهم جهلة أميون في السياسة كجهل أسيادهم في أميركا وبريطانيا وفرنسا في الجغرافيا والتاريخ، وليتضح أن «مسد» ومن يكونها ويمثلها ويتحدث باسمها لم يسمع بموقف الأمم المتحدة من الانتخابات حين قال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان ديوجاريك، خلال مؤتمر صحفي الشهر الماضي: «رأينا الإعلان عن إجراء الانتخابات الرئاسية في سورية يوم 26 أيار، هذه الانتخابات تم إعلانها في إطار الدستور الحالي، وهي ليست جزءاً من العملية السياسية المنصوص عليها في القرار 2254».
ذهبت ميليشيات «قسد» أبعد من رفض إجراء الانتخابات في مناطق سيطرتها، حينما عملت على إغلاق نقاط العبور من تلك المناطق إلى المناطق المحررة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، في خطوة تهدف إلى التضييق على المواطنين السوريين في مناطقها من الانتقال إلى الضفة الأخرى والإدلاء بأصواتهم، في خطوة إجرامية تتماهى مع خطوات أسيادها ممن منعوا إجراء الانتخابات في بلدانهم، ذاك الإغلاق نابع من إدراكهم وعلمهم علم اليقين، بحجم الإقبال الذي سيكون على الانتخابات، وما يحمله من رسائل ودلالات برفض سكان تلك المناطق التي يسيطرون عليها لوجودهم وسياستهم وخيانتهم للمحتل الأميركي.
حالة الوهم المرضية التي تعيشها ميليشيات «قسد»، والتي تحولت إلى إستراتيجية، أوقعها ومنذ نشأتها بالكثير من الأخطاء حين ظنت نفسها شريكاً وصديقاً للمحتل الأميركي، وهي في حقيقة الأمر تابع وأداة وظيفية ليس إلا، وحين راهنت على حصان خشبي ظنته مهر في بلوغ أوهامها، كما ارتكبت الكثير من الأخطاء، عندما عرقلت ورفضت الكثير من المبادرات التي طرحتها الحكومة السورية، ووضعت نفسها في مصاف الند للحكومة الشرعية في دمشق، وحينما تحولت إلى حارس للص الأميركي في سرقة خيرات الشعب السوري، ورفعت راية الانفصال شعاراً لها، كما أن حالة الوهم جعلتها لا تعي ما يجري من متغيرات في المنطقة والتي تصب جميعها في مصلحة الوطن الأم وسورية الدولة، من الرضوخ الأميركي للشروط الإيرانية في الاتفاق النووي، إلى الانعطافة في مواقف الدول الخليجية، إلى متغيرات الميدان لصالح الجيش السوري، ولم تفهم ما قاله بالأمس وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد حينما قال إن هناك سِفارات فتحت في سورية، وأخرى ستفتح خلال أيام، مضيفاً: لن نسمح للولايات المتحدة بإجهاض فتح سفارات غربية لدينا، تتكنى باسم سورية، وهي بعيدة كل البعد عن الاسم وعزته، بل كانت على الدوام خنجراً في خاصرتها، وكانت على الدوام، وسيلة وجسراً للمحتل لتدنيس تراب سورية، وسرقة خيراتها، تتغنى بالديمقراطية، وهي منها براء، حال أسيادها في الغرب الاستعماري، أصابها ما أصابها من التورم فضربت بـ«سيف» المحتل، وتظللت برايته، فبلغ الأمر بها حال ذاك القط الذي خال نفسه نمراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن