رياضة

الشامبيونزليغ.. حكاية من ألف ليلة وليلة إلى الشاطر «دولار» … كيف تحولت من مسابقة أبطال إلى جباية أموال؟

| خالد عرنوس

لم يكن يخطر ببال الصحفي الفرنسي غابرييل هانو أن فكرته الرائعة بجمع أبطال الدوريات الأوروبية بكرة القدم ستتحول من مسابقة كروية تمتع أنظار عشاق اللعبة الشعبية الأولى إلى مشروع تجاري ضخم ليس همّ القائمين عليه إلا جمع الأموال وجبايتها على طريقة الشركات الاستثمارية التي تسعى للربح التجاري وزيادة رأس المال، فالبطولة التي بدأت بمشاركة 16 نادياً فقط باتت الحلم لمئات الأندية في القارة العجوز وباتت المشاركة فيها أهم من التتويج باللقب المحلي الذي كان الطريق للظهور فيها، واتسعت الرقعة ليرتفع العدد إلى 79 فريقاً يمكن لها خوض المسابقة بدءاً من دور المجموعات الذي يضم 32 فريقاً، وبالطبع فإن مبارياتها التي بدأت بسهرات كروية وسط الأسبوع وأصبحت كل واحدة مباراة منها إلى حسابات بالورقة والقلم عن إيراداتها حتى على مستوى المتابعة التلفزيونية، وهذه الأرباح الهائلة التي باتت تدرها منافساتها جعلت من بعض كبار الأندية التي دأبت على الوصول إلى أدوارها النهائية يفكر بالانفصال عن المؤسسات الكروية الأم وإقامة رابطة تضم النخبة وتقيم مسابقتها الخاصة التي تضمن من خلالها تحديد من يشاركها كعكة الأرباح وهو الشيء الذي عرف بمسابقة السوبرليغ التي لم يكتب لها النجاح.

إبداع فرنسي

بدأت الحكاية مبكراً، ففي أوائل القرن العشرين أقيمت بطولة تضم بعض الأندية الأوروبية من البلاد القريبة جغرافياً لكنها لم تستمر طويلاً ثم جرت محاولات أخرى بمشاركة أندية من أميركا اللاتينية في فرنسا وإسبانيا، وفي الخمسينيات كان فريق هونفيد المجري سبباً رئيساً لفكرة بطولة سنوية تجمع أبطال الأندية في أوروبا، ففي ظل تألق منتخب المجر الذهبي مطلع ذلك العقد كان معظم لاعبه من فريق الهونفيد الذي لعب عدداً كبيراً من المباريات الودية من دون أن ينجح أحد بالفوز عليه حتى عام 1954 عندما خسر أمام وولفرهامبتون 2/3 في مباراة مشهودة فخرجت الصحف الإنكليزية تمجد الحدث ولاسيما بعد خسارة منتخبها المذلة أمام المجر ووصفت فريق الوولفز ببطل العالم، الشيء الذي لم يرق لوسائل الإعلام الأوروبية وخاصة الفرنسية التي تصدت لفكرة إنشاء مسابقة تحدد من بطل أوروبا وذلك عبر صحيفة (الإيكيب) والصحفي هانو رئيس المشروع، وجرى طرح الفكرة على عدد من الأندية التي وافقت على الفوز وتحت رعاية الاتحاد الأوروبي حديث العهد تقرر انطلاق البطولة عام 1955 وتستمر على مدار الموسم.

مشروع ناجح

حملت البدايات بعض الصعوبات لكنها كانت ناجحة إلى حدّ جعل عدد المشاركين يزداد اطراداً فمن 16 فريقاً في النسخة الأولى ارتفع العدد إلى 22 ثم 24 مع النسخة الثالثة و28 ثم 33 في السبعينيات هو العدد الكامل للدول الأوروبية في ذلك الوقت قبل انهيار الإمبراطوريتين السوفييتية واليوغسلافية، وكان يشترك في المسابقة بطل كل دولة مع الفريق حامل اللقب، تقام المنافسات بأدوار إقصائية من ذهاب وإياب، على أن يقام النهائي من مباراة واحدة تقام على ملعب محدد سابقاً، أما طريقة الحسم فكانت عن طريق المباراة الفاصلة ثم أقر نظام القرعة عند التعادل قبل أن يتفتق ذهن المنظمين عن فكرة ميزة التسجيل خارج الأرض واعتبار الهدف باثنين في حال التعادل، وفي حال التساوي أيضاً في هذه الناحية فقد تم اللجو إلى ركلات الترجيح كحل نهائي منذ منتصف السبعينيات، بعد ألغي كذلك نظام إعادة المباراة النهائية في حال التعادل بعد التمديد.

في عام 1960 تم نقل المباراة النهائية عبر أجهزة التلفزيون إلى معظم الدول الأوروبية فكانت علامة فارقة فقد أصبح هذا الجهاز شريكاً أساسياً في نجاحات المسابقة مثلما كل البطولات الكروية، وسيكون طرفاً فاعلاً كما سنلاحظ فيما بعد، وأضحت مشاهدة مباريات وسط الأسبوع القارية جزءاً مهماً في حياة عشاق اللعبة في القارة العجوز وخاصة مع إقامة بطولة خاصة بأبطال الكؤوس بداية من عام 1960 وقبلها بطولة المعارض الأوروبية عام1955 وقد دمجت منذ 1971 مع كأس الاتحاد الأوروبي التي أصبحت اليوم مسابقة الدوري الأوروبي، والمعروف أن كأس الكؤوس ألغيت عام 1998 وانضم المشاركون فيها إلى كأس الاتحاد، ولا ننسى كأس السوبر التي انطلقت 1972.

طموحات وأطماع

النجاح الذي حققته كأس الأندية البطلة مع نقل مبارياتها تلفزيونياً جعل الجميع يحلم بالمشاركة فيها لكن الأنظمة القائمة كانت تمنع ذلك ولأن المشاهدة التلفزيونية أصبحت مقابل مبالغ مادية وحقوق خاصة بدخول الشركات الإعلامية الكبيرة على خط التفرد بنقل المنافسات بدأت رغبة هذه الشركات تعلن عن مشاركة فرق كبيرة بعينها في المسابقة بعد محاولات إدخال بعض التعديلات التي من شأنها زيادة عدد المباريات، وبالطبع فإن وجود الفرق ذات الشعبية الكبيرة يهم الشركات الراعية لزيادة الدخل المادي عبر الحضور الجماهيري وشيئاً فشيئاً المردود المتزايد من شركات التلفزيون.

كما ذكرنا التعديل الأول القاضي بزيادة عدد المباريات من خلال إقامة ربع النهائي من مجموعتين يتأهل بطلاهما إلى النهائي لم يكن ليفي بالغرض المنشود خاصة مع التقدم التكنولوجي وانتشار القنوات الفضائية التي وجدت في كرة القدم سوقاً رائجة وكثرت المطالب بمشاركة أكبر خاصة على مستوى فرق القمة، وفي 1992 تم تعديل نظام المسابقة فزاد عدد مبارياتها من 73 إلى 82، لكن ذلك لم يكن كافياً، وتبدل نظام المجموعات دون تعديل كبير حتى موسم عندما تم إضافة فرقً غير البطلة حسب التصنيف إلى البطولة ليصل عدد المشاركين فيها إلى 71 فريقاً وزاد عدد المباريات إلى الضعف (تقريباً) ومع هذ التعديل بدأت حكاية أخرى فلم يعد اسم كأس أبطال الدوري لائقاً وهو الذي تبدل عملياً منذ 1992 ليصبح (دوري الأبطال) مع إقامة مرحلتين من المسابقة بطريقة المجموعات واستمر هذا النظام لثلاثة مواسم قبل أن تقتصر مرحلة المجموعات على دور الـ32 مع إقامة تصفيات تمهيدية للوصول إليه على أكثر من مرحلة، وأصبح عدد المشاركين 72 مع بداية الموسم مع استقرار عدد المباريات منذ دوري المجموعات عند 125 مباراة.

مجموعة الـ14

في عام 2000 تأسست رابطة من كبار الأندية سميت على عددها (مجموعة الـ14) وانضم إليها لاحقاً أربعة أندية أخرى وقد عملت هذه الأندية على مراعاة مصالحها وكانت وراء العديد من التعديلات على نظام المسابقات الأوروبية حتى على المستوى العام للعبة ونذكر منها هنا الروزنامة الدولية الموحدة لوضع حد لمطالبات المنتخبات الوطنية بنجومها بشكل عشوائي وكذلك التعويضات المادية عن الإصابات التي تلحق باللاعبين مع المنتخبات، والأهم أن المجموعة بحثت دائماً عن مسابقة (تفصيل) على مقاسها، ولطالما هددت بالانسحاب من مسابقات اليويفا حتى تنال مطالبها، ورغم إعلان انتهاء هذه المجموعة نظرياً إلا أنها بقيت المتحكمة في بعض شؤون اللعبة، وجاءت أزمة كورونا وتوقف النشاط الكروي ثم العودة من دون حضور جماهيري في عام 2020 لتجد هذه الأندية وغيرها ترزح تحت خسائر مادية أثرت في سوق الانتقالات والتأخر بدفع الرواتب والأجور لتبحث عن حلول جديدة لتفادي المزيد من الخسائر.

وتعد مسابقة الشامبيونزليغ الدجاجة التي تبيض ذهباً لأندية النخبة، فيكفي أن نذكر الأرقام التي يتقاضاها بعض هذه الأندية حتى نصاب بالذهول، فالبطل يحصد حالياً مبلغاً يناهز 82 مليون يورو إضافة إلى حوافز أخرى وتزيد حصة لكل ناد من أندية القمة حسب المشاهدة التلفزيونية المدفوعة والتي تبلغ بالأساس أرقاماً مرتفعة، وكل ذلك من أجل ضمان هذه الأندية ارتفاع المداخيل ليصار إلى دفع أجور اللاعبين وبعضها مرتفع بدوره، ولاسيما بعض نجوم الصف الأول الذين تأكل أجورهم نصيباً كبيراً من ميزانية هذه الأندية، وعلى سبيل المثال نذكر أن باريس سان جيرمان نال أكثر من 100 مليون يورو عندما بلغ نهائي المسابقة في الموسم الماضي على حين نال بايرن ميونيخ البطل مبلغاً زاد على 111 مليون يورو منها أكثر من 63 على النتائج وارتفعت إلى 79 للفوز باللقب و32 مليوناً أخرى حسب تصنيفه في المسابقة.

السوبرليغ وتوابعه

وتمخضت أفكار رؤساء عدد من هذه الأندية عن فكرة إقامة مشروعها الخاص والمتمثل بالسوبرليغ رغم أن الاتحاد الأوروبي قرر تغيير نظام المسابقة الأهم (الشامبيونزليغ) بما يتماشى مع مصالح هذه الأندية من دون المساس بالهيكلية الأساسية للمسابقة، إلا أن هذا الأمر لم يرق لإدارات بعض هذه الأندية فنفذت تهديداتها وأعلن عن إقامة المسابقة الخاصة بها بمشاركة 16 نادياً لا أكثر وقد حدد 12 منها على أن تضم الأربعة المتبقية عن طريق تصفيات خاصة.

واعتبر الإعلان القنبلة بمنزلة انقلاب في أسرة كرة القدم الأوروبية والعالمية فلم يكد يخرج الخبر إلى وسائل الإعلام حتى بدأت حرب شعواء ضد أصحاب المشروع الذين سعوا إلى التفرد عن باقي الأندية، وقام الاتحاد الدولي وقبله الأوروبي بتهديد هذه الأندية بإجراءات غير مسبوقة بحرمان لاعبيها من المشاركة في المسابقات القارية والدولية، والغريب أن معظم جماهير هذه الأندية كانت ضد المشروع، ولذلك قام بعضها بالتظاهر ضد إداراتها وخاصة في إنكلترا، فكان التراجع أسرع من المتوقع، وما هي إلا ساعات حتى أعلنت الأندية الإنكليزية انسحابها من مشروع السوبرليغ وهي نصف الأندية المشاركة فيه، مع عدم موافقة الأندية الألمانية بالأساس على الفكرة، وبالتالي ماتت الفكرة بعد 48 ساعة على إعلانها وسط معارضة شديدة على الصعد كافة.

حلول وتبديلات

أدى ظهور السوبرليغ (إعلامياً) إلى تفكير جدي من الاتحاد الأوروبي بإجراء تعديلات على نظام المسابقة، والأمر قد يقتصر على دور المجموعات بحيث يرتفع عدد المشاركين فيه إلى 36 فريقاً تقسم على ست مجموعات بحيث يلعب كل فريق 10 مباريات كاملة قبل الانتقال إلى أدوار الإقصاء، إلا أن المشكلة تتمثل بالروزنامة المزدحمة وخاصة في إنكلترا على سبيل المثال حيث تضم ثلاث مسابقات (الدوري والكأس وكأس الرابطة)، هذا التعديل ربما يبدأ العمل به بعد موسمين وبانتظار الآلية الجديدة لتحديد الأندية الإضافية، وكل ذلك من أجل زيادة عدد المباريات وبالتالي زيادة الدخل من النقل التلفزيوني ومن الشركات الراعية وكذلك الريوع الجماهيرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن