قضايا وآراء

هل يصبح إقليم كردستان إقليمين؟

| أحمد ضيف الله

نشر موقع Yahoo News في الـ9 من أيار الجاري، تحقيقاً استقصائياً للصحفيين جاك ميرفي وزاك دورفمان استناداً إلى مقابلات أجرياها مع 15 مسؤولاً أميركياً من الحاليين والسابقين، كشفا فيه عن مشاركة قوات مكافحة الإرهاب الكردية وهي وحدة كردية نخبوية في شمال العراق لها صلات عميقة بالعمليات الخاصة الأميركية، في عملية اغتيال قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني، لدى وصوله مطار بغداد الدولي في الـ3 من كانون الثاني 2020.
جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان المعروف بـ«CTD» نفى في بيان له، أن تكون له أي علاقة بعملية اغتيال الجنرال سليماني، مشيراً إلى أن «هناك مجموعة باسم «CTG» تابعة للاهور جنكي طالباني وإخوانه، وهذه المجموعة لا تلتزم بإجراءات وقوانين إقليم كردستان ومؤسساته وتعمل خارج القانون رقم 4 لسنة 2011 الصادر عن برلمان كردستان الخاص بمجلس أمن إقليم كردستان العراق».
الأجهزة العسكرية والأمنية وبعض الإدارات المالية والإدارية في إقليم كردستان غير موحدة أو خاضعة لسلطة واحدة، فهي تنقسم في الولاء والتابعية بين الحزبين الكبيرين الديمقراطي الكردستاني المسيطر على محافظتي أربيل ودهوك برئاسة مسعود البارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني المسيطر على محافظتي السليمانية وحلبجة برئاسة الرئيس المشترك للاتحاد لاهور شيخ جنكي.
ففي إقليم كردستان جهازان لمكافحة الإرهاب، الأول يعرف باختصارCTD يتبع مجلس أمن الإقليم، الذي كان يدار سابقاً من قبل رئيس الوزراء الحالي مسرور البارزاني، فيما يعرف الثاني باختصار CTG ويتبع للاتحاد الوطني الكردستاني ويدار من قبل الرئيس المشترك للاتحاد لاهور شيخ جنكي الطالباني.
وحدات البيشمركة في الإقليم هي الأخرى منقسمة في الولاء وفقاً لمراكز نفوذ الحزبين الكبيرين الديمقراطي والاتحاد الوطني وكل منها خاضع إلى السيطرة المباشرة للمكتب السياسي لحزبه، وليس إلى وزارة شؤون البيشمركة بالإقليم، كذلك تخضع الوحدات الخاصة للشرطة إلى سيطرة الحزبين، وليس إلى وزارة داخلية الإقليم، إضافة إلى أنه لا يوجد نظام مالي محاسبي موحد يُعمل به في كلا مناطق نفوذ الحزبين. وهذا الحال سائد منذ جولات الاقتتال بين الديمقراطي والاتحاد الوطني التي سميت بحرب الأخوة التي استمرت من أيار 1994 حتى أواسط 1998، التي أدت إلى تشكيل إدارتين كرديتين مختلفتين.
وعلى الرغم من الإعلان عن اندماج الإدارتين في الـ7 من كانون الثاني 2006، إلا أن كل محاولات توحيد تلك الأجهزة فشلت لانعدام الثقة بين الحزبين الكرديين.
في المؤتمر الذي أقامته جامعة أربيل بإقليم كردستان في الـ19 من أيار الحالي بعنوان «الوحدة والدستور»، بحضور الرئاسات الثلاث في الإقليم وشخصيات سياسية وأكاديمية، بالإضافة إلى الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق وعدد من ممثلي البعثات الدبلوماسية في الإقليم، أشارت معظم الكلمات من خارج الحزبين الرئيسين الديمقراطي والوطني إلى حالة انعدام «ثقة الشعب بالسلطة الموجودة في الإقليم»، وغياب «وحدة الصف بين القوى السياسية كافة»، عدا عن أن المنسق العام لحركة التغيير الكردية عمر سيد علي تساءل خلال كلمته بالمؤتمر، قائلاً: «من أين نأتي بالوحدة ولدينا إدارتان، وقوتان للبيشمركة، وقوتان للأسايش ولدينا ماليتان»؟، مضيفاً: «كل شيء مقسم في كردستان على طرفين».
رئيس الهيئة العليا لإنشاء إقليم السليمانية بيار عمر عبد الله، كان قد أعلن في حديث لصحيفة «الصباح الجديد» في الـ13 من أيار الجاري، أن «المرحلة الأخيرة في إطار إنشاء إقليم السليمانية وحلبجة بدأت وقمنا بتسليم 150 ألف توقيع جمعناها إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في بغداد، ونحن بانتظار رد المفوضية لتقوم بدورها بطرح مسألة إنشاء الإقليم على الاستفتاء العام»، موضحاً أن الهيئة العليا لإنشاء إقليم محافظة السليمانية «كانت أمام تحد بجمع 2 بالمئة من تواقيع سكان محافظة السليمانية، إلا أنها تمكنت بعد جهود كبيرة من جمع 10 بالمئة من أصوات سكان محافظة السليمانية، وهو ما يفوق العدد المطلوب من التواقيع للبدء بإجراء الاستفتاء على إنشاء إقليم السليمانية».
الدستور العراقي الذي مُرر خلال الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق منح في مادته الـ119 الحق لكل محافظة أو أكثر في تشكيل إقليم وطلب الاستفتاء عليه وفق خيارين، إما بطلبٍ من ثلث الأعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، أو بطلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم.
إنّ حالة عدم الثقة وحِدة التوتر تغلفان الحراك السياسي الدائر الآن في الإقليم، وتدفعاه باتجاه العودة إلى نظام حكم الإدارتين المنفصلتين مجدداً، واضعة إقليم كردستان أمام منعطفٍ مربك، وأزمة سياسية داخلية حادة، تدفع بشكل جدي السليمانية للانفصال عن أربيل، وتشكيل إقليم مستقل.
فهل يصبح إقليم كردستان إقليمين؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن