بعيداً عن أي نوع من الفذلكة السياسية أو اللغوية، وبعيداً عن مرامي المتقوّلين الذين تستهويهم شهوة الكلام كيفما اتفق، فإن الاستحقاق الرئاسي الذي أجري في موعده، وفق المواعيد الدستورية يعطي صورة عن الأمس القريب الذي يصل إلى عشر سنوات، ويغطي المشهد كاملاً لما مضى وما هو آت.. فالقوّالون كانوا يراهنون على عدم إجراء الاستحقاق الانتخابي، والمتآمرون يريدون عدم حصوله ليحدث ما يسمى بالعرف السياسي، الفراغ، ولكن سورية التي حققت أشواطاً بعيدة في الحياة الدستورية عرفت طريقها، أجل، هناك حياة دستورية في سورية، سواء أعجبت من كان لديهم دساتير، أم لم ترق لدول لا تملك دساتير أصلاً، وسورية دولة دستورية منذ الاستقلال، وهذه الحياة الدستورية هي التي منحت السوريين القدرة على متابعة الخطوات، التي تحمي سورية بما تبقى، وما تبقى كثير.. وخابت كل الرهانات، وحدد موعد الاستحقاق، وتم تحديد المرشحين وفق المعايير الدستورية المعتمدة في الدستور، وعند السلطة التشريعية في مجلس الشعب.
وأزعم أن كثيراً من الناس، حتى المتفائلين لم يتوقعوا المشهد كاملاً الذي ظهر خلال اليوم الانتخابي الطويل، والقارئ الحصيف يجب أن يدرك الكيفية التي ستسير فيها العملية الانتخابية، فما حدث في المغتربات كان مؤشراً مهماً، ولا يمكن لأحد أن يدّعي أن السوريين في المغتربات هم جزء من السلطة، ومع ذلك تقاطر السوريون في المغتربات لممارسة الحق الانتخابي، وتلك الكثافة يجب أن تعطي انطباعاً مهماً، بأن هؤلاء الذين يعيشون في الخارج، وخاصة البسطاء غير المؤدلجين عرفوا الصورة على حقيقتها، ورأوا غير الصورة الوردية، وتأسفوا لحال سورية والسوريين، وهم ضمناً، لذلك دفعتهم غيرتهم على وطنهم إلى المبادرة، وساقتهم أمانيهم بعودة المارد السوري إلى سابق عهده إلى أن يكونوا مع سورية واستحقاقاتها، وقد لمس هؤلاء التباين بين الحقيقة والأمنيات، وربما عرفوا أكثر من ذلك، خاصة في الدول التي تحتضن السوريين الذين أججوا النار على سورية وأرادوا تدميرها، وكانوا ينتظرون انهمار الدمار عليها، هذه الصورة أكملتها صورة الداخل في اليوم الانتخابي، فقد أدرك السوري أنه كان وقوداً لمؤامرة، وخسر كل شيء جناه، وخسر حياته، وخسر أسرته، وخسر أملاكه، وهو لا علاقة له بهذا الصراع الذي تم تأجيجه من الخارج دون أدنى شك، ورأى السوري في الداخل كيف تحول من لا يملك شيئاً إلى أكبر المتمولين بسبب ارتباطه بالخارج، ورأى كثيراً من الناس الذين لا يؤتمنون على شيء، وما فعلوه، لذلك كان اليوم الانتخابي مشهوداً، فقد صارت الحقيقة ناصعة، والحياة والاستقرار هما الغاية، وعدم الانسياق وراء حزمة من اللا شيء لتدمير سورية! ليس صعباً أن نقرأ مشهد الغوطة من دوما إلى جميع القرى المحيطة، فقد اكتوت جنة الله على الأرض بما جرى على أرض سورية أكثر من أي بقعة في سورية، وتحولت إلى أرض مهجورة متعبة ومن الطبيعي أن تنتظر هذا الاستحقاق الدستوري الأكثر أهمية لتعبر عن رغبتها في الحياة ورفضها للموت! لم يكن ما رأيناه سوى رغبة في الحياة، والأكثر أهمية لم يكن سوى اكتشاف للحقيقة.
هذا الاستحقاق كان قيامة لسورية، والقيامة تتبعها قيامات، وستعود سورية أفضل مما كانت، طالما أنها تملك عقولاً قادرة على المراجعة الدقيقة، وقادرة على تقويم مرحلي للخلاص من واقع، والدخول في مرحلة جديدة.
المشهد يقول: إن سورية اليوم مختلفة، وتحتوي كل أبنائها، الذين راجعوا ما جرى وقرروا الحياة والانتماء إلى سوريتهم، وهذا المشهد يستدعي قراءة سريعة من الجميع لتبدأ رحلة جديدة ترفض اغتيال سورية وتاريخها وإنسانها رغبة في الموقع، وإرضاء لمن يضمر الشر لها، أو اعتماداً على مصالح آنية يأخذها هذا أو ذاك.. وليعلم الجميع أن القدر بالمرصاد، وأن المرض بالمرصاد، وأن النهاية ليست كما يشتهون، البقاء لسورية وأرضها وإنسانها والانتماء، من الداخل والداخل وحده، ولا أمل لأي تآمر أن يفرض شخصاً أو نهجاً أو إيديولوجية..!
السوري يحلّ مشكلاته مع حكومته بنفسه، ولا يحتاج لأي تدخل، وما صرف على حرب سورية يكفي ليجعلها في الدول العظمى تقانة وتحضراً!
فهل وصلت رسائل الصورة والمشهد؟!